دعونا الآن نحلل المعونة الأمريكية لمصر وتوابع قطعها تحليلاً واقعياً وسليماً بعد أن فرَّغنا جميعاً الشحنة العاطفية بداخلنا. وقلنا فيها أكثر مما قال مالك في الخمر.. وهو كلام صحيح ولا ولن أتبرأ منه أو أحيد عنه ولو كان السيف علي رقبتي. إن المعونة الأمريكية ثابتة في معاهدة كامب ديفيد الموقعة في 17 سبتمبر 1978 والضامن لها الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر. أحد الأطراف الثلاثة الموقعين علي المعاهدة. ثم علي اتفاق السلام في 26 مارس 1979 باعتبار أمريكا راعياً لهذا السلام المصري الإسرائيلي.. ولذا يجب ألا ننظر للمعونة من منظار قيمتها المادية فقط. بل علي أنها قرار سياسي وسيادي له فوائده ومضاره. لو تحدثنا عن المعونة كقيمة مادية. فإنها لا تساوي شيئاً الآن. ونستطيع أن نجمع ونوفر أضعاف أضعاف قيمتها في شهور معدودة. وقد بدأنا ذلك بالفعل. لكن المشكلة أنها جزء لا يتجزأ من معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل. والمفروض أن نتعامل معها من هذا المنطلق. وبعقلانية وليس بفتح الصدر وفرد العضلات.. وأن نثبت لأمريكا أن هذه المعونة لن تكون "كلابش" يقيدنا ويجعلنا نعيش في فلكهم بلا فكاك. هذه "فرشة" سريعة لكي ندخل من خلالها إلي الجوانب العديدة للمعونة.. وما أكثرها. أحد هذه الجوانب هو اللغة المرفوضة التي يتكلم بها الأمريكان. والتي تؤكد أن الأمر أبعد وأخطر من قيمة المعونة. الحديث عن هذه "اللغة" التي تصل إلي حد الوقاحة في كثير من الأحيان سيكون العامل المشترك لكل حديث عن أي جانب آخر.. لأن تلك اللغة هي نتاج طبيعي لإحساس الأمريكان بخطورة الموقف. وبأن مصر تفلت من بين أصابعهم. وبأن ما زرعوه علي مدي 33 عاماً يتبخر في الهواء. الكل الآن في أمريكا يضع فايزة أبوالنجا وزيرة التعاون الدولي العدو الأول لهم. ويتهمونها بأنها سبب كل البلاوي.. والمفروض أن يعرفوا أنهم "أس المصايب" وأن لغتهم في الحديث تجعل منهم "نازيين جدداً" أكثر من أدولف هتلر نفسه.. فهم يتشدقون بالديمقراطية ولا يعملون بها. ويصدعوننا بالحرية وهم أبعد ما يكونون عنها. ويرفعون لواء احترام القانون ويمتعضون إذا طبق القانون عليهم: * الكونجرس الأمريكي عقد جلسة بعنوان "مصر في مفترق طرق" طالبت خلالها إليانا روس رئيس لجنة الشئون الخارجية باتخاذ إجراءات عقابية ضد مصر وبعض مسئوليها وفي مقدمتهم الوزيرة أبوالنجا. وقطع المعونة العسكرية بسبب اتهام مصر لعدد من المنظمات الدولية بالعمل دون ترخيص في الأنشطة السياسية والحصول علي تمويلات لذلك.. وكأننا مزرعة في تكساس أو ولاية أمريكية أو إحدي مستعمراتها.. شفتم الوقاحة؟! * الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة عارض قطع المعونة.. إلا أنه وبلغة لا تقل وقاحة طالب بتأديب مصر!!.. أسلوب نازي حقير ومرفوض. علل الرفض بأن قطع المعونة يبعد الأجيال القادمة من الضباط العسكريين المصريين عن أمريكا ويحرم أمريكا من حقوق التحليق في الأجواء المصرية.. أهلاً.. وياما في الجراب يا حاوي!! * جون ماكين أكبر صقر جمهوري في مجلس الشيوخ والذي يحل علي مصر غداً ضيفاً ثقيلاً ورزيلاً.. قال إنه لن يطالب المسئولين المصريين بالإفراج الفوري عن المتهمين في القضية. لكنه سيوضح خطورة هذه المسألة.. كلام يحمل تهديداً مغلفاً ومرفوضاً ينم عن "جليطة" أمريكية لم نعهدها من أي سياسي ولو كان مبتدئاً.. إذ كيف يتحدث بهذا الأسلوب النازي قبل 48 ساعة فقط. من زيارته لمصر؟! * فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم هيلاري كلينتون تقول إن فايزة تستخدم ادعاءات غير صحيحة للترويج لنفسها بعيداً عن المصالح القومية لمصر وهو أمر يهدد الديمقراطية!!.. أي ديمقراطية تقصدين؟!.. هل الخضوع والخنوع والضرب علي القفا من ديمقراطية النازيين الجدد؟! * ديفيد كريمير رئيس منظمة "فريدوم هاوس" إحدي المنظمات المتهمة في القضية شخصن القضية واختصرها في وزيرة. حيث طالب بمنع أي مساعدات طالما فايزة موجودة!! الكل تحدث بهذا الأسلوب بعيداً عن أن القضية أمام القضاء الذي يجب أن يحترم.. والمفروض ألا نسمح للأمريكان بالحديث معنا بهذه العنجهية النازية التي كانت وبالاً علي العالم في بداية الثلث الثاني من القرن الماضي. إذا قطعت أمريكا المعونة. ففي 60 داهية. ولدينا البدائل.. لكن يجب ألا نهدد بإلغاء معاهدة السلام لأن ذلك معناه إعلان الحرب. قطع المعونة سيكون دليلاً علي التزام أمريكا كطرف أصيل في الاتفاقية. والإخلال بالتزامات طرف يعطي الحق لنا بمراجعة الاتفاقية كلها. وبما تقتضيه مصالحنا بعيداً عن الإلغاء الذي هو ليس في صالح أحد.. لا نحن ولا إسرائيل ولا أمريكا. ولا المنطقة. ولا العالم كله. وغداً.. جانب آخر.......