أما وأن القانون هو الفيصل "بعد الثورة" حسب ما أعلنت د. فايزة أبو النجا في تصريحاتها عن مداهمة الجمعيات الأهلية بمعرفة النيابة وضبط شيكات واحراز تؤكد تلقيها تمويلاً أجنبياً مخالفاً للقانون لأنه لابد أن يتم بمعرفة وزارة الخارجية وأن تراقب عملية الانفاق بحيث لا تكون في أغراض سياسية أو دينية فإن الواجب علي الوزيرة وأجهزة الضبط القضائي في الدولة أن تفصح لنا عن جميع الجهات والتنظيمات والجماعات والأشخاص الذين تلقوا أموالاً من الدول العربية أيضاً سواء كان ذلك بدافع تأصيل فكرة التعاون مع التيارات الدينية لإذكاء روح الطائفية في المجتمع أو للانتقام غير المعلن من شباب الثورة الذين اطاحوا بنظام مبارك وهو ما لا يعجب الكثير من ملوك وسلاطين وأمراء العرب. ولأن الفيصل كما قالت الوزيرة هو القانون فإن الشعب والثورة لن ترحمها هي أو القضاة إذا استمرت محاولات تضليل الناس بالتعامل مع الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني علي أنها شيطان رجيم يتلقي أموالاً من أمريكا وأوروبا لإذكاء روح العنف والفوضي في المجتمع لتنفيذ أجندة التقسيم المعروفة منذ فترة.. فإذا كانت المنظمات تتلقي تمويلاً للقيام بنشاطها في خدمة المجتمع فإن مداهمتها بهذه الطريقة يعني أن خريطة الأمن في مصر قد اتخذت منحني مغايراً لما كان عليه قبل الثورة.. تلك المداهمات تجعلني أتذكر تماماً ما كان يقوم به أمن الدولة "سابقاً" عندما كان يزور فجراً السلفيين والإخوان ليعتقلهم.. فهل جاءت الثورة لتقلب الأوضاع وتبدأ أجهزة الأمن الوطني "حاليا" لتوجه سهامها نحو الليبراليين ومنظمات المجتمع المدني؟ ما يحدث حالياً هو عودة إلي عصور الضبط والقبض والاعتقال العشوائي لكن الليبراليين والنشطاء السياسيين الذين يعملون في النور والذين لا يحملون حتي الآن لفظ المحظورة لكن إذا استمر المنهج الأمني في التعامل معهم علي نفس ما كان يعامل به السلفيون والإخوان المسلمون فإن التطور الطبيعي للأمور يعني أننا سنصل إلي درجة وصف التيارات السياسية الليبرالية بالمحظورة مثلما كان الأمر مع جماعة الإخوان المسلمين قبل يناير .2011 نحن اذن أمام اشكالية الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني ودورها في الشارع وعلي الأرض لكن قبل تلك الاشكالية فإن التنويه عن الدور الايجابي الذي لعبته تلك الجمعيات في العصر المظلم البائد ضرورة فلا يخفي علي أحد أن من تلك الجمعيات من رعت الآلاف من المصريين في تعليمهم وعلاجهم والانفاق عليهم في المحافظات الأكثر فقراً في المنيا وأسيوط وسوهاج وقنا. وأن من تلك الجمعيات من تبنت محو الأمية ورعاية الأمهات وتنظيم النسل في الوقت الذي غابت فيه أجهزة دولة الفساد حتي عن توصيل مياه الشرب والصرف الصحي للقري الأكثر فقراً التي لم يشفع لها فقرها وجوعها أمام عنجهية وغرور وطموح الوريث جمال مبارك الذي تلاعب بعقول أبنائها سنوات طويلة لمشروع وهمي انفقت فيه الدولة مئات الملايين من الجنيهات دون مردود حقيقي للأهالي يسمي مشروع الألف قرية الأكثر فقراً. إذا كنا فعلاً نريدها دولة قانون فيجب فوراً الكشف عن كل مصادر التمويل الأجنبية والعربية والأشخاص الذين تلقوها وفيما أنفقوها أما أن تداهم البعض دون الآخر ونفتش ونقبض علي البعض وبشكل انتقائي فهذا يفقدنا الثقة في القضاء والنيابة وهو ما يعني اهتزازاً حقيقياً لصورة وكيان الدولة.