قالت: من أنتخب؟! دلني من الأفضل ومن الأحق بصوتي؟!.. فقد تكاثرت أسماء المرشحين وأسماء الأحزاب والتحالفات والائتلافات .. وكلها متشابهة.. وتزاحمت اللافتات في الميادين والشوارع .. وكلها تقول كلاما جميلا.. ووعودا براقة. من أنتخب؟!.. احتارت عقولنا.. وتشابه الأمر علينا.. كل فرد وكل فريق يزكي نفسه ويطعن في الآخرين. من أنتخب؟!.. وهناك أصوات تقول ان الانتخاب اليوم فرض وشهادة وأمانة واجبة الأداء.. ومن لم يؤدها فهو آثم.. وهناك أصوات أخري تقول كيف تجري الانتخابات علي جثث الضحايا الذين سقطوا في الاشتباكات الأخيرة بين المتظاهرين والشرطة. قلت: ماذا فعلت قبل سؤالك عمن تنتخبين؟!.. ماذا بذلت من جهد ومن متابعة للتعرف علي المرشحين وهويتهم وبرامجهم.. ماذا قرأت عن الأحزاب وتوجهاتها وخطط الاصلاح التي قدمتها في المعركة الانتخابية. لقد انقضي ذلك الزمن الذي كان التصويت فيه يتم بتوجيهات أو بتعليمات أو حتي بالإيحاء.. ولو عدنا إليه فكأنما أجهضنا الثورة.. وأضعنا الدم الغالي الذي قدمه الشهداء.. وأسقطنا تسعة أشهر دفعناها من انعدام الأمن واضطراب الحياة ثمنا للحرية.. وثمنا لهذه اللحظة التاريخية التي تولد فيها الديمقراطية علي أيدينا. وبشكل عام فإن الانتخابات ليست نزهة.. بعضهم يعطيك القائمة.. أو يعطيك اسما أو اسمين.. وتذهبين بالورقة في وقت الفراغ إلي لجنة الانتخابات وتكتبين ما أملي عليك وطلب منك.. هذه خيانة للثورة وللديمقراطية ولدم الشهداء.. الانتخابات فعل وجدل واشتباك وإعمال للعقل حتي تصلي بنفسك إلي القناعة التي تناسبك. قالت: إذن مطلوب منا جميعا أن نعمل بالسياسة.. وأن نتحول إلي ناشطين وهذا غير ممكن.. الأفضل والأنسب أن نسأل أهل الذكر ممن نثق فيهم ولهم إطلاع ومتابعة لكي يساعدونا علي الاختيار الأفضل. قلت: السياسة ليست مهنة أو حرفة.. وليست مقصورة علي شخص أو مجموعة أشخاص.. وإنما هي نشاط اجتماعي واجب علي الجميع في لحظة الاختيار.. وعلي كل منا أن يفحص ويمحص لكي يختار من يمثله حقا.. وهذا أمر لا يغني فيه والد عن ولده.. ولا زوج عن زوجته.. ولا حرج في ذلك.. فالأصل في الآراء هو التعدد والتنوع وليس الانسياق في ركب واحد. الاختيار حق مكفول لكل مواطن.. والاختلاف سنة الله في الأرض.. وعلينا أن نحترم هذه القاعدة ونتحملها ونطبقها علي أنفسنا في التجربة الديمقراطية الوليدة.. ونرفض العصبية القبلية والعائلية والطائفية التي تفسد أية انتخابات.. وتحولها إلي معارك بغيضة للتنابز والصراع.. وأحيانا إلي دم ونار. لا يكفي أن تجتهد الأحزاب في نشر أفكارها وبرامجها والترويج لمرشحيها.. ولا يكفي أن يجتهد المرشحون في عقد مؤتمراتهم ورفع لافتاتهم.. ويظل الناخب مجرد مستقبل لهذا النشاط وضحية له.. وإنما عليه أن يجتهد هو الآخر في البحث والتدقيق والإطلاع والمعرفة.. لكي يفرز ويميز.. ويكون رأيا واضحا فيمن سيحظي بثقته.. ثم يصر علي الوصول إلي صندوق الاقتراع ليدلي بصوته من أجل التغيير الكبير الذي عشنا نحلم به. الثورة فعل وحماس وطاقة وليست مجرد شعارات.. وإذا كنت تنتمين إلي الثورة فعلا.. وترين نفسك من ذلك الجيل الذي يحمل عبء التغيير علي كتفه فلا يصح أبدا أن تسألي: من أنتخب؟! أما إذا كانت الثورة لديك هي فورة الغليان وإسقاط النظام وإزاحة الرئيس فقط ثم العودة إلي الاسترخاء والكسل العقلي والاستسلام لمن يوجه وينظر فاسألي وستجدين في كل لحظة من يعطيك رأيا يمثله هو ولا يمثلك أنت. والذين يريدون للثورة أن تنجز هدفها الأكبر في الانتقال من الاستبداد إلي الديمقراطية هم الذين يدعمون إجراء الانتخابات في مواعيدها ويحرضون المواطنين علي الذهاب إلي صناديق الاقتراع والإدلاء بأصواتهم بشكل آمن ومنظم لكي نؤسس معا البناء الأول في الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.. أم الذين يريدون أن تستمر الفوضي ويستمر الاضطراب إلي ما لا نهاية فأولئك لن يصلوا إلي اتفاق ولن يتقدموا خطوة إلي الأمام.