في يوم الخميس 29 أكتوبر سنة 1953 وقف الأستاذ مصطفي الهلباوي وكيل النائب العام في محكمة الثورة التي أنشأتها ثورة 23 يوليو لمحاكمة بعض رموز العهد الملكي.. وبدأ يترافع بصفته عضو مكتب الادعاء والتحقيق في القضية المتهم فيها محمد حلمي حسين السائق الخاص للملك فاروق والذي تمت ترقيته إلي رتبة أميرالاي "عميد" في الجيش وكان الاتهام الموجه إليه هو أنه جمع ثروة ضخمة بطريقة غير مشروعة وأنه أتي أفعالا استغل فيها نفوذه لصالحه دون مراعاة لصالح الوطن في غضون الأعوام التي عمل فيها مع الملك واستغل صلته الوثيقة به. وقال في مرافعته "هذه المحاكمة تبين كيف كانت تحكم مصر! وكيف كان تساس أمور البلاد وتدار.. وكيف كانت أموالها نهباً للطامعين ينهبون منها ما شاءت لهم أطماعهم.. وقضية اليوم وإن كانت تجسم لنا الفساد إلا أنها تظهر كيف كان يصنع الرجال في تلك العهود السوداء وكيف كانوا يرفعون من لا شيء ليكونواه كل شيء.. لم يكن مقياس الرجال في تلك العهود الكفاءة أو المقدرة أو الانتاج.. إنما كان مقياسهم ما كانوا يؤدون لفاروق من خدمات.. ومضي يقول: لقد استطاع المتهم أن يتقرب منه أثناء عمله كسائق بمرتب سبعة جنيهات وفجأة يرفعه الملك من مجرد سائق إلي مرتبة الضباط العظام.. لقد كان ضابطاً عظيماً بلا مؤهل.. وبلا كفاءة.. ودخل في كادر الجيش ووصل إلي أعلي الرتب!! .. لو أن هذه المرافعة قيلت بدون ذكر تاريخها أو وقائعها لأعتقد الناس أنها مرافعة من جريمة فساد من جرائم الفساد التي لا أول لها ولا آْخر في ظل النظام السابق.. وهكذا كم جرائم الفساد والرشوة والاختلاسات والوساطات واستغلال النفوذ والتربح غير المشروع.. حدثت في مصر..! في ظل عهد المباركية وكم من الحقوق وقد سلبت من أصحابها.. وكم من القضايا التي انتصر فيها المتقاضون ولكنها لم تعرف طريقها للتنفيذ أما مجاملة لوزير أو مسئول أو لأي أسباب أخري!! إن الساثق الذي ارتفع بقدرة قادر إلي ضابط عظيم برتبة أميرالاي "أي عميد" وأصبح لديه ثروة طائلة قدرتها المحكمة وبأكثر من 70 ألف جنيه.. بالتأكيد هناك آخرون أثروا ثراء فاحشاً لمجرد القرب من أصحاب النفوذ والسلطة لقد كان الكل يحسبون ألف حساب لهؤلاء المقربين لا لشيء إلا لأنهم قريبون من صناع القرار..!! وهم كثيرون ظهروا و"اغتنوا" في ظل النظام السابق.