في 25 مارس سنة 1954.. اجتمع مجلس قيادة ثورة 23 يوليو لمناقشة مستقبل الحياة السياسية في مصر ووافق المجلس علي كل ما يطلبه الرئيس محمد نجيب وسلاح الفرسان والطوائف السياسية. وتضمنت هذه القرارات السماح بقياح الأحزاب بعد أن كان المجلس قد أصدر في يناير 1953 قراراً بحل جميع الأحزاب وحظر انشاء أي حزب جديد.. وكذلك عدم حرمان أي مواطن من الحقوق السياسية حتي لا يكون هناك تأثير علي حرية الانتخابات.. ووافق المجلس أيضاً علي اجراء انتخاب الجمعية التأسيسية انتخاباً حراً ومباشراً مع عدم تعيين أي شخصية كانت.. ويكون لهذه الجمعية سلطة القيادة والسيادة وسلطة البرلمان كاملة.. علي أن تنتخب الجمعية رئيس الجمهورية فور انعقادها.. كما يتم حل مجلس قيادة الثورة يوم 24 يوليو 1954 باعتبار أن الثورة انتهت وتسليم السلطة لممثلي الأمة الشرعيين. وأعتقد اللواء محمد نجيب انه انتصر.. وانه تمت الاستجابة لرأي الشعب.. ولكن جمال عبد الناصر كان يفكر تفكيراً آخر.. فقد اعتكف في منزله وبدأت الأزمة تنفجر وتوقفت الحياة تماماً في مدينة القاهرة يوم 27 مارس بعد أن قام عمال النقل باضرابهم مطالبين باستمرار مجلس قيادة الثورة في مباشرة سلطاته وعدم السماح بقيام أحزاب ومعارضة اجراء أي انتخاب حتي يتم جلاء المستعمر. واندلعت مظاهرات صاخبة تعترض علي تلك القرارات وكانت تردد هتافات موحدة.. لا تتخلي عنا يا جمال "لا حزبية ولا انتخابات". وكما يقول المرحوم عبد اللطيف البغدادي عضو مجلس قيادة الثورة في مذكراته أن الفوضي استمرت تعم البلاد ثلاثة أيام وكان آخر ما قام به المتظاهرون هو الهجوم علي مبني مجلس الدولة والاعتداء علي الدكتور عبد الرازق السنهوري رئيس المجلس علي أساس أنه هو الذي أعد قرارات اجراء الانتخابات وتشكيل الجمعية التأسيسية وفي يوم 29 مارس اجتمع مجلس قيادة الثورة وقرر الغاء كل قرارات 25 مارس والبقاء في الحكم.. وانتصر عبد الناصر وكان ثمن انتصاره مبلغ أربعة آلاف جنيه دفعها الي صاوي أحمد صاوي رئيس اتحاد عمال النقل لاثارة المظاهرات واضراب عمال النقل. كان سبب أزمة مارس 1954.. هو الصراع علي السلطة بين محمد نجيب وجمال عبد الناصر أحدهما ضابط برتبة لواء والآخر ضابط برتبة بكباشي "مقدم" وكان عبد الناصر يعشق السلطة كما يقول قائد الاسراب المرحوم حسن إبراهيم عضو مجلس قيادة الثورة انه كان يحب الرئاسة والانفراد بالحكم.. وكل أعضاء المجلس ادركوا ذلك ولكن في أوقات متفاوتة. هذا ما كان من ثورة 23 يوليو وقد يكون السيناريو واحدا مع ثورة 25 يناير ولكن مع فارق كبير هو ان المجلس العسكري أكد في أكثر من مناسبة أنه لا يريد الحكم بأي شكل من الأشكال وسينقل السلطة إلي الحكم المدني.. وعندما فرض حمايته لثورة 25 يناير حدد فترة انتقاليا محدودة لاجراء الانتخابات البرلمانية وانتخاب هيئة وضع الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية. ولم يفكر المجلس العسكري في حرمان أي مواطن من حق الترشيح والانتخاب- كما فعلت ثورة 23 يوليو- ولكن ترك الأمر للقضاء.. وهذا هو الفرق.