أنهي المراقبون الجويون إضرابهم البطيء الذي استمر هذه المرة لمدة 25 ساعة تكبدت خلالها صناعة الطيران المدني في مصر عشرات الملايين من الدولارات.. لكن الأزمة بين المراقبين والإدارة لم تنته. فرغم إعلان الطيار لطفي مصطفي كمال وزير الطيران المدني قراره بعودة الدفعة "59" من المراقبين الجويين - وهي أحد الأسباب الرئيسية للأزمة - إلي الأكاديمية المصرية لعلوم الطيران بعد نقلهم إلي الوطنية لخدمات الملاحة الجوية في شهر يوليو الماضي.. خاصة أن قرار تعيين هذه الدفعة بالمراقبة الجوية بمثابة شرارة تطور أحداث أزمة المراقبين والتي تشعبت إلي مجموعة من الأزمات والمشاحنات بين المراقبين والإدارة.. وتفرعت إلي انقسامات الوصف الحقيقي لها أنها بداية حرب أهلية في الطيران المدني. المواجهات بين المراقبين الجويين وإدارة الشركة مدعومة من وزارة الطيران المدني قديمة الأزل.. وربما تعود إلي ما قبل تشكيل وزارة الطيران المدني.. لكن أقصي درجات المواجهة كانت في عهد الفريق أحمد شفيق وزير الطيران المدني الأسبق والذي زاد من حدتها مستشارو السوء وقتها عندما زينوا له سهولة حل الأزمة بالضرب بيد من حديد.. إلا أن رأيهم الذي استعذبه الفريق أدي إلي تصاعد حدة المواجهة عام 2005 حيث قام المراقبون بإضراب شامل وقتها حوالي خمسة ساعات أصيبت خلالها حركة الطيران في مصر بالشلل التام وخلف الإضراب خسائر قدرها المسئولون وقتها بمائة مليون دولار. بعد انتهاء الإضراب وقتها استمر مستشارو السوء في شحن الفريق أحمد شفيق ضد المراقبين الذين انتقدتهم وقتها بشدة رغم الصداقات الحميمة التي تربطني بالكثير منهم وذلك من منطلق إيماني بإعلاء شهادة الحق أياً كانت التبعات وحتي لو كانت ضد أقرب الناس.. واقترح المستشارون والمحيطون بالوزير وقتها أن تقوم وزارة الطيران المدني بقبول دفعة من الطلاب بمعهد المراقبة الجوية لإعدادهم كبدلاء أو بمعني أدق قوة احتياطية يتم الاستعانة بها إذا عاود المراقبون التهديد بالإضراب.. وبلغ عدد هذه الدفعة "59" طالباً.. لذا أطلقوا عليها بعد تخرجها من المعهد بالدفعة "59".. ودفعة الوزير.. وتم تعيينهم بعقود عام 2006 بمعهد المراقبة الجوية التابع وقتها لهيئة المعهد القومي للتدريب علي الطيران قبل تحويله إلي الأكاديمية المصرية للطيران براتب بدأ ب 2500 جنيه شهرياً علي ان يتحمل رواتبهم صندوق دعم وتطوير الطيران المدني بالوزارة. المراقبون وقتها شعروا بالغدر ورفضوا تدريب الدفعة "59" عملياً علي الأجهزة الرادارية وبذلك أحبطوا تفعيل وجود هذه الدفعة كبديل لهم.. ورغم قيام الوزارة بإنفاق حوالي مائة مليون جنيه "كما يردد المراقبون" من تدريب في مصر وفرنسا وإعداد معامل تدريبية ووحدات تشغيل لهم لم تنجح الوزارة في إعداد الدفعة "59" كمراقبين فعليين وظلوا يتقاضون مرتباتهم بدون عمل حقيقي حتي الآن. وللخروج من المأزق وقتها تم الاستعانة بالدفعة "59" كمدربين بمعهد المراقبة الجوية وتم منحهم أهليات صورية من سلطة الطيران المدني لتأهيلهم كمدربين بالمعهد لتدريب المراقبين الجويين الحقيقيين العاملين بالشركة الوطنية لخدمات الملاحة الجوية.. طبعاً الموضوع كان بمثابة النكتة وجاء علي طريقة "فاقد الشيء لا يعطيه".. وبالطبع أحجم المراقبون بشركة الملاحة عن حضور فرق التدريب بالمعهد. بعد ثورة 25 يناير أدركت الدفعة "59" الخدعة التي وقعوا فيها وأيقنوا أنهم "يرقصون علي السلم" فلا هم مراقبين ولا هم مدربين.. فطالبوا وزير الطيران المدني وقتها "المهندس إبراهيم مناع" بتصحيح المعادلة بتعيينهم مراقبين جويين بالشركة الوطنية لخدمات الملاحة الجوية.. وحفاظاً علي رواتبهم التي وصلت إلي "4800" جنيه شهرياً فقد وجه الوزير وقتها بأن يتم تحويلهم من نظام العقد إلي التعيين بالأكاديمية المصرية للطيران ونقلهم في نفس الوقت إلي الشركة الوطنية لخدمات الملاحة الجوية مما أثار حفيظة المراقبين لسببين رئيسيين.. الأول تشكك المراقبين في الأهليات الصورية "من وجهة نظرهم" التي حصل عليها أعضاء هذه الدفعة "دفعة الوزير".. والثاني مرتباتهم التي تزيد علي رواتب من هم أقدم منهم وأكثر خبرة وتأهيلاً عنهم من المراقبين الحقيقيين العاملين بشركة الملاحة كما يردد المراقبون. تدخلت الشركة القابضة بدعم من الطيار لطفي مصطفي كمال وزير الطيران المدني لحل الأزمة باعتماد قرار مجلس إدارة الشركة الوطنية لخدمات الملاحة الجوية بمنح جميع العاملين بالشركة حافز تميز.. لكن هذا الحافز أشعل الموقف حين اعترض العاملون بباقي قطاعات الشركة علي زيادة الحافز المقرر للمراقبين عن زملائهم.. وتطور الأمر إلي اعتصام الصيانة بشركة الملاحة وقاموا خلاله بقطع الاتصالات بين المراقبة الجوية وباقي المطارات المحلية والإقليمية مما كاد يؤدي إلي كارثة.. وحلاً للموقف قرر الوزير وقف قرار صرف حافز التميز للجميع. هنا ثار المراقبون الذين رفضوا في الأصل هذا الحافز مقابل قبول الدفعة "59" وقاموا بتنفيذ الإضراب البطيء الذي أدي إلي شلل حركة الطيران بالمطارات المصرية.. خاصة مطار القاهرة.. والذي خلف خسائر تقدر بعشرات الملايين من الدولارات. الأزمة في اعتقادي رغم فض الإضراب لم تنته ومازالت النار تحت الرماد. ويبقي السؤال: هل قرار نقل الدفعة "59" من الشركة الوطنية لخدمات الملاحة الجوية لإرضاء المراقبين يعد حلاً للأزمة.. أم تصديرها إلي الأكاديمية المصرية للطيران؟! وعمار يا مصر!