ليس من المستغرب أن تكون إسرائيل أول دولة تعلن تأييدها لإقامة دولة كردية مستقلة علي جزء من الأراضي العراقية. السبب .. أن تقسيم العراق هدف استراتيجي إسرائيلي - غربي منذ ما قبل حرب الخليج وبدأ تنفيذ ذلك علي أرض الواقع عندما أعلنت أمريكا عن منطقة حظر الطيران علي نظام صدام حسين وأسفر ذلك عن نشأة إقليم كردستان في شمال العراق. والأكراد لايعيشون في العراق فقط فالمناطق التي يقطنونها تمتد علي مساحات شاسعة في العراقوسورياوتركيا وإيران .. وهدف الغرب وإسرائيل من السعي لإقامة دولة كردية في العراق لايقتصر علي ذلك فقط وإنما يرمي إلي أن تكون هذه الدولة أول الدويلة نواة لإقامة دولة كردستان الكبري التي تقتطع مساحات من الدول الأربعة السابق ذكرها. ولاشك في أن ميلاد الدولة الكردية الجديدة لن يكون سهلا فالبرلمان العراقي رفض إجراء الاستفتاء المقرر إجراؤه يوم 25 من هذا الشهر في إقليم كردستان العراق لإقامة كيان سياسي مستقل ومع ذلك أعلن الزعيم الكردي مسعود برزاني إصراره علي إجراء الاستفتاء في موعده. كذلك ترفض كل من تركيا وإيران إقامة هذا الكيان خوفا من سعي الأكراد في كلتا الدولتين للسير علي النهج نفسه وإقامة كيانات كردية مستقلة ينتهي بها الأمر إلي التوحد في دولة واحدة بالمنطقة. أما سوريا فهي ترفض ولكن لاحول لها ولا قوة في ظل الظروف السياسية والحرب الأهلية التي مزقتها وهي تسعي حاليا إلي تضميد جراحها المثخنة ناهيك عن مواجهة جماعات المعارضة السورية التي قويت شوكتها وأصبحت تسيطر علي أجزاء لابأس بها من البلاد. من هنا وكما سبق القول فإن ميلاد دولة كردية في العراق لن يكون سهلا وسوف يسفر عن حالة من الفوضي والاضطرابات السياسية بل والمواجهات الدامية التي ستعم الدول السابقة وتدخل بها في دوامة من الصراعات وعدم الاستقرار لايعلم مداها إلا الله. ولاشك أن المستفيد الوحيد من هذه الفوضي هو إسرائيل فبعد أن قضي الغرب علي العراق كقوة إقليمية تشكل تهديدا لإسرائيل وبعد أن تم تمزيق سوريا من خلال الحرب الأهلية تسعي إسرائيل والقوي الغربية لإضعاف القوي الإقليمية الأخري كتركيا وإيران من خلال تفجير قضية إقامة الدولة الكردية وكذلك العمل علي إضعاف مصر من خلال الجماعات الإرهابية التي تعيث في الأرض فسادا وتمارس أعمالها الإجرامية هنا وهناك كما جري توريط دول منطقة الخليج في حرب اليمن التي تهدد بالقضاء علي الأخضر واليابس. وإذا كان الغرب قد تدخل بشكل مباشر في تدمير العراق والقضاء عليه لصالح الدولة الصهيونية فلا شك في ان الاستراتيجية الغربية لتدمير دول المنطقة قد تغيرت وأصبح تدمير الدول العربية والإسلامية يتم من خلال المؤامرات ودفع هذه الدول لتدمير نفسها بنفسها وبأيدي أبنائها المأجورين من الداخل. لقد أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بيانا للمراسلين الأجانب أكد فيه أن إسرائيل "تؤيد الجهود المشروعة للشعب الكردي من أجل إقامة دولته". ومع ذلك قال نتانياهو إن إسرائيل تعتبر حزب العمال الكردستاني في تركيا جماعة إرهابية وهو الموقف نفسه الذي تتبناه القوي الغربية! وإذا كنا قد اعتدنا علي مثل هذه المواقف المزدوجة من إسرائيل والغرب تجاه القضايا الواحدة والمتشابهة فهل يمكن تصديق المزاعم المتعلقة بموقف الغرب من حزب العمال الكردستاني خصوصا في ظل الاستراتيجية الغربية الواضحة التي تهدف لجعل إسرائيل القوة الإقليمية الكبري في منطقة الشرق الأوسط؟ في الوقت نفسه تشير التقارير إلي وجود علاقات استخباراتية وعسكرية سرية وغيرها من العلاقات بين إسرائيل والأكراد وهنا يمكن القول بأن الكيان الصهيوني يواصل تمدده وتوغله في المنطقة بشكل مستمر وأن قيام دولة كردية يصب في صالح إسرائيل من كل النواحي سواء بإضعاف القوي الإقليمية أو بتقوية وتعزيز النفوذ الإسرائيلي بالمنطقة! وإذا كنا في مرحلة خلاف سياسي أو مذهبي مع كل من تركيا وإيران فإن ذلك يجب ألا يشغلنا عما يدبر للمنطقة بليل ولابد أن نعي الأبعاد الكامنة وراء إقامة الدولة الكردية سواء فيما يتعلق بتوازن القوي الإقليمية أو بأمننا القومي أو بما سيترتب علي قيام هذه الدولة من فوضي وعدم استقرار في المنطقة ككل.