وقفت مذهولة أمام محل العلافة الذي يقع علي ناصية شارعنا.. كنت أريد شراء عدس أصفر صدمني سعر الكيلو لم أكن أعرف أنه وصل لهذا الرقم الفلكي 24 جنيها!! مع ملاحظة أنه غير معبأ أي أنه الأرخص.. كان العدس موضوعا وبجواره البقوليات وزاد ذهولي وأنا أتابع الأسعار اللوبيا 24 جنيها والفاصوليا 23 والفول 14. غبت شهرا واحدا عن شراء احتياجات البيت انشغلت فيه بمرض والدتي شفاها الله وعافاها.. يا الله شهر واحد فقط تحدث فيه كل هذه القفزات في الأسعار!! وجهت سؤالي لصاحب المحل.. صدمتني إجابته فالعدس كان سعره 12 جنيها ثم قفز هذه القفزات السريعة في مدة قصيرة.. أشفقت علي الفقراء لم يتركوا لهم شيئا يأكلونه حتي العدس وجبة الفقير المحببة!! حيث نصف كيلو منه ببركة ربنا يملأ حلة كبيرة يتجمع عليها أفراد الأسرة خاصة في الشتاء ويحمدون الله.. حتي هذه الوجبة أصبحت عبئا علي رب الأسرة فما بالنا باللحمة؟ لقد أصبحت حلما بعيد المنال حتي للطبقة المتوسطة وهذه حقيقة بالفعل. تذكرت مقالا مازال محفورا في ذاكرتي رغم بعد السنين لأستاذنا الراحل الكبير مصطفي أمين انتقد فيه الحكومة بشدة عندما رفعت سعر كيلو العدس بضعة قروش وكان وقتها سعر الكيلو حتي بعد الزيادة قروشا قليلة.. قال مصطفي أمين اتركوا سعر العدس كما هو حتي يجد الفقير ما يأكله فالعدس هو بروتين الفقير.. تذكرت هذا المقال وأنا أقف أمام بائع العدس وتساءلت لماذا تضغط الحكومة علي الفقراء ولا تترك لهم متنفسا فهم مطحونون بين شقي الرحي في كل شيء دون الدخول في تفاصيل نعيشها جميعا. نعم مصر لا تزرع العدس الأصفر وتستورد معظمه من تركيا ومع تعويم الجنيه زادت طبعا فاتورة استيراده لكن ألم يكن من الممكن أن تتدخل الحكومة وتدعم استيراد هذه السلعة الأساسية حتي لا ترتفع.. يبدو أن صندوق النقد الدولي اشترط عدم دعم عدس الغلابة كما اشترط رفع الدعم عن كل المحروقات ولم يوافق علي استثناء بنزين 80 والسولار حيث كان ثبات سعرهما كفيلاً باستقرار أسعار معظم سلع الغلابة. دارت كل هذه الأفكار في رأسي وأنا أطلب من البائع ربع كيلو من العدس لأعد منه شوربة لذيذة أعلم جيدا أن غالبية المصريين يعشقونها غنيهم قبل الفقير لكني كنت حزينة أن إعداد طبق من العدس أصبح عبئا علي رب الأسرة الفقيرة يتطلب منه أن يضرب أخماسا في أسداس!! أحضر لي البائع طلبي وهو يتعجب من أنني توقفت كثيرا أمام سعر العدس بالذات في حين أن الغلاء الفاحش لم يترك شيئا لم يطله.. علقت بسرعة وأنا أنصرف أن العدس هو بروتين الفقير وكان راضيا به وأن الحكومة بأدائها السييء تتنازل طواعية عن رضا طبقة كبيرة طحنتها في كل شيء ولم تشأ أن تترك لها حتي حلة العدس ليتجمع حولها أفراد الأسرة في الشتاء!!