التدين هو التربة التي أثمرت خصائص الانسان المصري ومقوماته. وقد مثل علي الدوام وازعاً باطنياً يدفع إلي الخير. ويحول دون الشر. ويراقب ويعظ ويضع تصرفات المرء في إطار محدد من الأخلاقيات المسئولة. أو المسئوليات الأخلاقية. إن عدم الإيمان بالحياة الآخرة. بالبعث. بالحساب والعقاب والثواب إن عدم الإيمان بذلك كله يعني- في أقل تقدير- إسقاط الجانب الأخلاقي في نفسية الإنسان. وكما يقول رندل كلارك فإن "الدين كان القلب الذي تنبض به الحضارة المصرية". وذهب بعض المؤرخين إلي أن المصريين تعلموا الصلاة قبل أن يتعلموا الكلام. وتعلموا السجود قبل أن يتعلموا المشي. بل إن الدين هو العامل الأساسي في تكوين الضمير الذي هو- كما نعلم- المرجع الأول للضبط الاجتماعي الداخلي للأفراد. ويدعم الدين تأثيره في هذه الناحية وغيرها من النواحي. بما يحتوي عليه من فكرة الثواب والعقاب الإلهي. ومن طقوس وعقائد تؤثر تأثيراً فعالاً علي أفراد المجتمع. وتجعلهم رقباء علي أنفسهم. وهذا الكتاب للدكتور محمد حسن غانم "كتاب الجمهورية إبريل 2016" يناقش تأثيرات التدين في سلوكيات المصريين. من خلال منهجية تبدأ بطرح قضية التدين. ظاهرة تصاحب الانسان منذ نشأته في هذه الدنيا. ويتأمل الكاتب مفهوم الدين في اللغات المختلفة. وفي تعريفات علماء الإنسانيات. التي تجمع علي أهمية الدين للإنسان في رحلة حياته. وبالنسبة للشخصية المصرية تحديداً. فإنه يرجع إلي العديد من العلماء والمؤرخين- أغفل للأسف أسماء مهمة مثل صبحي وحيدة وفؤاد أحمد حسنين والعقاد "مقدمة كتاب سعد زغلول" وأحمد شفيق باشا وابراهيم عامر وأحمد شمس الدين الحجاجي ويحيي حقي ورشدي صالح ومحمد عودة وصلاح عيسي وأحمد أمين وجمال بدوي والسيد يس ونيللي حنا وغيرهم- لخص في فقرات ما ألفوه من كتب مهمة توضحت في مجموعها رؤي متأملة للشخصية المصرية في جوانبها المختلفة وركز في تلخيصاته علي الجانب الديني في فهم الإنسان المصري لما يحيط به من ظواهر. وما يواجهه من مشكلات. وتعامله مع ذلك كله بوجدان مفطور علي التدين. عدم الايمان بالحياة الآخرة. بالبعث. بالحساب والعقاب والثواب.. عدم الإيمان بذلك كله يعني- في أقل تقدير- إسقاط الجانب الأخلاقي في نفسية الانسان. وكما يقول رندل كلارك فإن "الدين كان القلب الذي تنبض به الحضارة المصرية". وذهب بعض المؤرخين الي أن المصريين تعلموا الصلاة قبل أن يتعلموا الكلام. وتعلموا السجود قبل أن يتعلموا المشيء. آمن المصريون بالمسيحية. وآمنوا بالإسلام. لكنهم أضفوا علي ممارستهم لشعائر المسيحية والإسلام الكثير من الطقوس الأسطورية. وتداخلت معتقداتهم القديمة بصورة وبأخري مع عقيدتهم السماوية. بل لقد أصبحت المعتقدات علي أرضية من المعتقد الديني السماوي تتيح لها البقاء والحياة والاستقرار. وعلي سبيل المثال. فإن فكرة الموالد التي أضفي عليها العصر الفاطمي مظاهر إسلامية. وأتاح لها الاستمرار. ترتبط بفكرة الخلود التي كانت محور الحياة في مصر القديمة. والملاحظ أن منشور السلطان بعزل عرابي. كان عاملاً رئيساً في إفشال الثورة. لأن السلطان هو خليفة المسلمين. وما يقرره أقرب إلي التعاليم الدينية. حرام مخالفته. لهذا كان انصراف الكثير من البسطاء- قوة عرابي الحقيقية- عن مناصرته. خوفاً من مخالفة تعاليم الدين. عموماً. فإن الشعور الديني في الريف أعمق منه بين سكان المدينة. ذلك لأن طبيعة عمل الفلاح تجعله أكثر قرباً من الشعور بالقوة الدينية التي تساعده في عمله. منذ يغرس البذرة. حتي تتحول إلي ثمرة. وهو يقف بين يدي الله خاشعاً. كله رضا. قناعته لا تحد. يطلب شيئاً واحداً. أن يهبه الله من نفحاته حياة تجنبها شر ظلمات الأرض. وتريها النور". فإذا أعوزت المرء الحيلة في أمر ما. فإن عدّية يس هي أنجع الوسائل للتغلب علي المشكلة. أو تحقيق الاستجابة. وثمة التعاويذ والأحجبة والسحر- وهو مذكور في القرآن الكريم- وكتب الأبطال الشعبيين الإسلاميين ومناقب الصالحين وفتوح الإسلام وغزواته. وهناك- بالاضافة إلي ذلك- تلك المكانة المتميزة التي كان يتمتع بها كل من يرتدي الزي الأزهري في مجتمع القرية. الدين بعد أساس في الحياة المصرية. ولعله أهم الأبعاد كلها.. وما انتهي إلي العصور الحديثة من مظاهر الحياة في مصر القديمة. يوضح أن الدين- الخير والشر. الثواب والعقاب- كان محور تفكير الإنسان المصري. بصرف النظر عن حظه من المكانة أو العلم. إنه مشغول بدنياه الآخرة. بالقدر نفسه الذي ينسج فيه تطور دنياه الآتية. بل لقد صرفت العقيدة الدينية قدامي المصريين إلي العناية بالحياة الآخرة ووجهتهم إلي بناء قبورهم ومعابدهم. وليس إلي بناء المنازل. ومن بين الآثار العديدة لا تكاد نجد أثراً حياً للبيت المصري. بينما نجد عشرات الآثار الباقية لمعابد والقبو. وكما يقول أستاذنا زكي نجيب محمود. فقد كان المصري طوال عمره "يتدين كما يتنفس". كان الإنسان المصري أول من آمن بديانة التوحيد وعلي الأرض المصرية عاشت الأديان السماوية الثلاثة: اليهودية. المسيحية. الاسلام. لكن مصر لم تكن مجرد بلد عاش فيه هذا الدين أو ذاك. تحولت- في كل الأحوال- إلي مركز إشعاع ينطلق منه الدين- أي دين- ويحافظ علي استمراريته وقد أفرزت تلك السنة نتائجها الإيجابية. وفي مقدمتها حفاظ الشعب المصري علي حضارته. وعلي دحر الغزاة بالقوة أو بالمقاومة الصامتة. أو احتواء الغزاة. بتذويبهم في داخله. وفرض حضارته. معتقداته وعاداته وتقاليده.. ولعلي أستعير من الزميل سيد حسين رئيس تحرير "كتاب الجمهورية" قوله: "إن هذا الكتاب يدفع قارئه للعيش في سياحة فكرية بين التحليل النفسي والاجتماعي والتاريخي للدين والتدين عند المصريين. ويغوص بهذا التحليل. ليقدم لنا الجوانب المضيئة للمصريين. وإنا لقادرون. ويحدونا الأمل في مستقبل مشرق".