الشعور الديني في الريف أعمق منه بين سكان المدينة. ذلك لأن طبيعة عمل الفلاح تجعله أكثر قرباً من الشعور بالقوة الدينية التي تساعده في عمله. منذ يغرس البذرة. حتي تتحول إلي ثمرة. ودورة المحصول. والطبيعة المحيطة به. الفلاح يدفن البذرة وقلبه وجل: هل تنبت. أم تتعفن وتموت؟.. مرجع هذا ليس إليه. بل إلي الله. يقف بين يديه خاشعاً. كله رضا. قناعته لا تحد. لا يطلب الآن إلا شيئاً واحداً. أن يهبها الله من نفحاته حياة تجنبها شر ظلمات الارض. وتريها النور ثمة شيخ الطريقة الذي ينصح بالزواج والطلاق "شجرة البؤس". والتعليم الديني الذي تحدد في حفظ القرآن حتي ختمه قبل أن يسافر الصبي إلي الازهر ليواصل التعليم دينياً في أروقته "الأيام". فإذا أعوزت المرء الحيلة في أمر ما. فإن عدية يس هي أنجع الوسائل للتغلب علي المشكلة. أو تحقيق الاستجابة. وثمة التعاويذ والاحجبة والسحر.. وهو مذكور في القرآن الكريم. وكتب الابطال الشعبيين الاسلاميين ومناقب الصالحين وفتوح الاسلام وغزواته.. وهناك بالاضافة إلي ذلك تلك المكانة المتميزة التي كان يتمتع بها كل من يرتدي الزي الازهري في مجتمع القرية.. وقد حرصت غالبية الاسر علي إلحاق أبنائها بالتعليم الديني الازهري. استفادة من المجانية. ولتعدد فرص العمل أمام الحاصل علي عالمية الازهر.. وعدم الصلاة في القرية كبيرة من الكبائر التي لا تغتفر.. وإذا كانت صلاة الجماعة مستحبة. فإنها في رأي البعض واجبة الاداء في المسجد. وإلا. فما جدوي الأذان والجامع والجماعة.. الصلاة المنفردة بعذر قاهر.. أما صلاة الجمعة فهي الواجبة.. وقد أبدي المقريزي استياءه زمان!. لتقارب المساجد. بما أدي إلي تداخل أصوات المؤذنين "يسمع كل من صلي بالموضعين تكبير الآخر. وهذا وأنظاره من شنيع ما حدث في غير موضع. ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم". الدين بعد أساس في الحياة المصرية. ولعله أهم الأبعاد كلها.. إن ما انتهي إلي العصور الحديثة من مظاهر الحياة في مصر القديمة. يوضح ان الدين الخير والشر. الثواب والعقاب. كان محور تفكير الانسان المصري. بصرف النظر عن حظه من المكانة أو العلم. إنه مشغول بدنياه الآخرة. بالقدر نفسه الذي ينسج فيه تطور دنياه الآنية. بل لقد صرفت العقيدة الدينية قدامي المصريين إلي العناية بالحياة الأخرة. ووجهتهم إلي بناء قبورهم ومعابدهم. وليس إلي بناء المنازل . ومن بين الآثار العديدة لانكاد نجد أثراً حياً للبيت المصري. بينما نجد عشرات الآثار الباقية للمعابد والقبور.. وكما يقول زكي نجيب محمود. فقد كان المصري طوال عمره "يتدين كما يتنفس". كان الانسان المصري أول من آمن بديانة التوحيد. وعلي الارض المصرية عاشت الاديان السماوية الثلاثة: اليهودية. المسيحية. الاسلام. لكن مصر لم تكن مجرد بلد عاش فيه هذا الدين أو ذاك.. لقد تحولت- في كل الاحوال- إلي مركز إشعاع ينطلق منه الدين- أي دين- ويحافظ علي استمراريته.. وكانت الاسكندرية هي مهد الطائفة المجهولة في نهاية القرن الثاني للهجرة. ثم أصبحت بعض اجتهادات المسلمين. وأعني بها الصوفية.