في بلد مأزوم اقتصاديا. ومرصود إرهابياً. ويدبر مواطنوه معيشتهم بالكاد. وغالباً مالا يدبرونها. لايمكن أن تري مثل هذا المشهد في معرض للكتاب يقيمة هذا البلد. لكنك تراه في مصر فقط.. ويكفي أن تخطف رجلك إلي أرض المعارض بمدينة نصر لتدرك أن البهجة صناعة مصرية بامتياز. الطقس غير مشجع أساساً. والأحوال المالية لايعلم بها سوي الله وحده. والمخاوف من عمل إرهابي هنا أو هناك مازالت قائمة. لكن هذا الشعب الغريب يرمي كل ذلك وراء ظهره ويذهب إلي معرض الكتاب فرادي وجماعات. ليشارك في هذا العيد. ويصنع بهجته من قلب العتمة وخيبة الأمل. وتلك قدرة لاتتوفر إلا لشعب عظيم صاحب حضارة عريقة. كان يجب أن يكون أسعد وأغني شعوب العالم.. لكن منها لله حكوماته التي ليست علي قدره وقدر أحلامه و حضارته. دائما مانتهم نحن المثقفين هذا الشعب بالجهل والتخلف وقلة الضمير والاعتماد علي الفهلوة. لكنه يفاجئنا دائماً بعكس مانتهمه به ليؤكد أن التحضر كامن في جيناته. صحيح أنه يختفي خلف أتربة الصراع اليومي علي لقمة العيش. لكنه يظهر عند الحاجة إليه ليؤكد أننا أبناء حضارة عريقة ودولة كبيرة وعظيمة.. ودعك من الحكام!! تطلع الجميع لأن يقوم الرئيس عبدالفتاح السيسي بافتتاح المعرض ولقاء المثقفين. لفتة كانت ستؤكد تقديره للثقافة والمثقفين وإيمانه بأنها وأنهم قوة مصر الناعمة التي بدونها تسير علي قدم واحدة وربما دون قدمين أصلاً. لكن يبدو أن مشاغل الرئيس حالت دون ذلك . كان الله في عونه. تم الاكتفاء بحضور رئيس الوزراء الذي تأخر ساعة ونصف الساعة عن الموعد المحدد. دائما المسئولون يتأخرون. فالتأخير في نظرهم تقريباً دلالة علي الأهمية. مع إنه دلالة علي شئ آخر. حضر الرجل وتجول سريعاً وقال كلاماً إنشائياً عن الثقافة وأهميتها يقال في كل مناسبة دون ترجمة حقيقية علي أرض الواقع. فالثقافة حتي الآن في ذيل اهتمامات الدولة وميزانيتها هي أحط الميزانيات في التاريخ. علي أية حال انطلق المعرض مؤكداً حيوية مصر التي لم تعد تمتلك إلا ثقافتها. ففي كل ركن من أركان المعرض بقعة نور ثقافية. سواء أجنحة الكتب المنتشرة بطول المعرض وعرضه. أو الفعاليات الثقافية والفنية التي تلبي كل الاحتياجات. من ندوات فكرية. وأمسيات شعرية . وموائد مستديرة. وعروض فنية . وعروض للسيرة الهلالية. وعروض للأطفال. وورش رسم. وحرف بيئية وغيرها من الأنشطة. نجحت هيئة الكتاب التي يتولي رئاستها أحد الشباب المبدعين د. هيثم الحاج علي. ومعه نائبه الشاب أيضاً د. محمود الضيع في وضع برنامج حافل للأنشطة الثقافية والفنية. وأنت إذا نظرت في برنامج المعرض لابد أن تشعر بالفخر أن مصر تمتلك هذا العدد الضخم من الشعراء والأدباء والفنانين والمفكرين والباحثين. ثروة لاأحد يقدرها ويدرك أن بلداً يمتلكها لابد أن يتسيد العالم. أيضاً نجحت هيئة قصور الثقافة برئاسة د. محمد أبو الفضل بدران في تنظيم أنشطة فنية وثقافية محتشدة بأدباء وفناني الأقاليم الذين جاءوا بالمئات من محافظات مصر المختلفة وأحيوا عشرات الأمسيات الأدبية والفنية. وشاركوا في ورش حكي وغناء وورش أطفال وغيرها من الأنشطة التي تقدمها هذه الهيئة بميزانيات ضئيلة أيضاً. لايخلو الأمر من ملاحظات أبداها البعض. منها علي سبيل المثال كثرة عدد الشعراء المشاركين في الأمسيات الشعرية بالقاعة الرئيسية. فكل أمسية بها أكثر من خمسة عشر شاعرا. وهذا عدد ضخم يقتل أي رغبة في الاستمتاع بالشعر. كما أن القاعة غير معزولة بشكل جيد وتجاورها قاعات أخري بها ندوات مما يؤدي إلي تداخل الأصوات. ورغم كثرة الشعراء بالأمسيات الشعرية فقد اعترض عدد كبير أيضاً علي إدراجهم في هذه الأمسيات. وكان يمكن حل هذه المشكلة بإقامة أمسيتين كل ليلة بدلاً من أمسية واحدة. أو علي الأقل التدقيق في الاختيارات التي جمعت بين الشامي والمغربي. ومع تقديري للجميع فإن هناك عدداً كبيرا ممن شاركوا في الأمسيات لايستحقون لقب شاعر من الأساس. كذلك فإن بعض الندوات كانت تجور علي مواعيد الندوات التالية لها. فالندوة المحدد لها السابعة مساء تقام في الثامنة والنصف. حدث ذلك معي. لأن المتحدثين في تلك الندوة لم يستطيعوا مقاومة شهوة الكلام. ومادمنا في معرض دولي للكتاب فلابد أن تسير الأمور بشكل أكثر انضباطاً. نشرة المعرض تتابع كل صغيرة وكبيرة في الفعاليات. لكنها تحتاج إلي جهد صحفي أكبر. فهي تخلو من أي تحقيق أو استطلاع رأي مع الجمهور مثلا. وتخلو كذلك من الحوارات مع ضيوف المعرض. ولايوجد بها مقال واحد يوحد ربنا. لماذا لايتم استكتاب ضيوف المعرض من الأدباد والفنانين لتكون النشرة أكثر حيوية بدلا من اقتصارها علي متابعة الندوات فقط؟ في أرض المعارض كانت هناك منطقة لألعاب الأطفال بالمجان اختفت تماما. يبدو أن مريضاً نفسياً من مسئولي هيئة المعارض أغلقها باعتبار أن لعب العيال لايليق بالمعرض. ياأخي هذه المنطقة كانت بالمجان وكانت فرصة للأطفال الذين يصطحبهم أهاليهم ليستمتعوا باللعب . ثم أنها لم تكن تشغل حيزاً كبيراً في المكان المتسع جدا. ولم تكن تعطل المرور في المعرض أو حتي في قناة السويس.. ماهذه الأمراض ياعالم. صعبان عليكم الناس تنبسط؟ في تدوينه له علي فيس بوك نشر هيثم الحاج علي صورة له مع شيخ وقسيس من داخل المعرض وقال إنه ذهب إلي جناح الهيئة مبكرا فوجد هذين الرجلين يقومان بترتيب الكتب فسأل من يكونان فقال الموظفون إنهما متطوعان. وعلم أنهما صديقان فأصر علي التقاط صورة معهما.. وهذه الصورة تلخص كل شئ في مصر المحروسة.