فقدت برامج "التوك شو" بريقها وانجذاب الجمهور نحوها. بعد أن كانت تلك النوعية من البرامج الاعلي تحقيقا لنسب المشاهدة وصاحبة الارقام القياسية في اعداد متابعيها. وصارت بين عشية وضحاها هي الاقل مشاهدة. وهذا ما اكدته ابحاث العديد من شركات الدعاية والتسويق وبخاصة الشركة الفرنسية والتي اكدت في دراساتها البحثية الصادرة أواخر العام الماضي أن هناك تراجعا ملحوظا في اعداد المتابعين للبرامج الحوارية في مختلف القنوات التليفزيونية الفضائية بمصر. وذكر التقرير أن جميع برامج "التوك شو" بدأت مطلع العام الماضي بنسب مشاهدة مرتفعة خلال النصف الاول من العام. قبل أن تتراجع المعدلات لتصل إلي ادني مستويات لها خلال النصف الثاني من العام الماضي مروراً بالنصف الاول من العام الحالي. حيث تصارع تلك البرامج من أجل البقاء وجذب الجماهير في مقابل معدلات مشاهدة مرتفعة وغير مسبوقة لبرامج المنوعات والمسابقات. د. صفوت العالم الاستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة قال: تراجع نسب مشاهدة برامج "التوك شو يعود" بالاساس إلي كثرتها وتكرار الموضوعات والاخبار التي يتم مناقشتها خلالها. فيجد المشاهد نفسه في النهاية حبيس نفس الملفات والقضايا ويصل الامر إلي حد تكرار الضيوف والاسئلة وجميعها اسباب ادت لملل المشاهدين. مضيفا أن الاستقرار المجتمعي والسياسي الذي نعيشه حاليا وكنا نفتقد خلال السنوات الاخيرة التي عانينا فيها من الاضطراب والتوتر كل هذا دفع المشاهد للبحث عن نوعية جديدة من البرامج والموضوعات والابتعاد عن البرامج الحوارية. د. حسن علي استاذ الإعلام بجامعة المنيا قال: الحديث عن انهيار معدلات مشاهدة "التوك شو" وهروب المشاهدين عنها يرجع إلي عدة اسباب اهمها تشبع الجماهير من المادة المعروضة وعدم وجود أي جديد يمكن متابعته. هذا بخلاف افتقاد تلك النوعية من البرامج ومذيعيها للمصداقية وثقة واحترام المشاهد. فمذيع اليوم المعارض هو ذاته "حامي حمي" النظام في الغد وهي نغمة تعلمها المشاهد جيدا واصبح من الصعب أن ينخدع بها مجددا. مضيفا أن عامل الإعلانات ايضا احد ابرز العوامل وراء انهيار سوق التوك شو حيث اتجه المعلن مؤخرا للاعلان في البرامج الترفيهية وبرامج المنوعات باعتبارها سوقا مثاليا للربح الذي يبحث عنه اي معلن. الإعلامية نجوي ابو النجا رئيس قطاع القنوات المتخصصة الاسبق قالت: بداية "التوك شو" كان من التليفزيون المصري عبر برنامج "البيت بيتك" والذي حقق نسب مشاهدة مرتفعة للغاية لان فكرته كانت جديدة تماما علي المشاهد الذي يري مذيعين وثلاثة يحاورون الضيوف في كافة الموضوعات. وبعد توقف البرنامج بدأت القنوات الفضائية في محاولة احياء الفكرة مرة اخري ظنا منها أن بذلك ستحقق الجذب الجماهيري المنشود. حتي أن القنوات اصبحت تضع اولا برنامج "التوك شو" وفقراته وديكوراته ومذيعيه ثم تبدأ في تشكيل باقي عناصر القناة. وواكب ذلك ثورة الخامس والعشرين من يناير التي كان فيها الإعلام دون رقيب أو محاسبة ولكن للأسف الشديد تحولت تلك النوعية من البرامج لما يمكن أن اسميه ببرامج "المسخ" حيث قدمت موضوعات وضيوفا مكررين واختلفت مسميات وألقاب زادت من حدة الصراع السياسي والاجتماعي والفكري الموجود من الاساس علي أرض الواقع. وهو ما جعل المشاهد في النهاية يتخطي مرحلة "التشبع" الإعلامي إلي ما يسمي "الاستبيان" واتخاذ القرار بالابتعاد عن تلك النوعية من البرامج وهو في رأيي قرار نهائي لا رجعه فيه بعد أن أدرك المشاهد بمفرده الجيد من الرديء. المذيعة اميرة عبدالعظيم والتي خاضت تجربة تقديم برامج "التوك شو" علي شاشة العديد من القنوات الفضائية قالت: بالفعل الناس ابتعدت عن مشاهد البرامج الحوارية و"زهقت" من الكآبه ونغمة الاحباط المسيطرة علي حديث وفقرات تلك النوعية من البرامج اضافة إلي الالفاظ "السوقيه" واللغة "المبتذلة المتدنية" التي وصل اليها الحوار. وهو ما دفع المشاهد للجوء إلي برامج المنوعات والترفية. مشيرة إلي أن ابتعاد المشاهدين قد يكون بشكل وقتي خاصة مع الاستقرار السياسي والامني الذي تعيشه مصر حاليا ولكن في حال وجود اي أزمة حقيقة فان المشاهد سيلجأ علي الفور لتلك البرامج مرة اخري لمعرفة وتحليل الاحداث. د. هدي عبدالمحسن استاذ الاجتماع بجامعة عين شمس قالت: الطبيعة البشرية بطبعها لا تحب الروتين وللاسف الشديد هذه البرامج اصبحت في الاونة الاخيرة مثالا حيا علي التكرار غير المفيد لكثير من فئات المجتمع. خاصة انها تركز علي مناقشة الاوضاع السياسية وتبتعد في احيان كثيرة عن مناقشة القضايا الحقيقية التي تمس المواطن واحتياجاته. ولذلك كان طبيعيا أن يبتعد عنها المشاهد شيئا فشيئاً ويبحث عن نوع اخر من البرامج أو المواد المعروضة للتفريج عن نفسه وهي برامج المنوعات والمسابقات التي لا تخدم المجتمع من قريب أو بعيد. بل علي العكس فانها تدعم افكاراً تهدم قيم المجتمع وتقاليده وعاداته تحت مسمي المنوعات والثقافات الجديدة. ويصبح المشاهد بمرور الوقت لا يبحث عن حل لمشكلاته بل يهرب منها إلي مثل تلك البرامج الخاوية من الرسائل الهادفة. وهنا يأتي دور الدولة والإعلام الرسمي بضرورة ايجاد بدائل لتلك البرامج تلبي احتياجات المشاهد الترفيهية والتثقيفية في نفس الوقت.