أعود إلي نافذتكم اليوم بقصة من الحياة لعل يكون فيها نفع لكل شاب يبدأ رحلته في الغربة ولا يزال بحاجة لمن يمد له يد العون والتثبيت وما هو السلاح الذي ينبغي ان يتحلي به حتي يقهر كل المغريات التي تقابله ويجتاز الصعاب التي قد يحاط بها؟!..ا نها قصة أكبر أبنائي "محمد" الذي استطاع ان يسطر مشوار كفاحه بماء من دهب.. ابني الذي تعلمت منه شخصيا وقبل ان يعرف طريق السفر ومرارة الغربة معني الثبات والمثابرة .. كان ولايزال صاحب قدرة عجيبة علي اثبات تميزه في اي عمل يسند إليه فعقب تخرجه في كلية التربية عمل منقذاً بحرياً وأثبت مهارة في السباحة والغوص اكسبته ثقة رئيس المسعفين علي الشواطئ وضمه للعمل معه علي الفور وذاع صيته كأشهر غواص وأبرع منقذ وكان من بين من أنقذهم شاب من عائلة كبيرة في القاهرة الذي سعي لرد الجميل لابني عما فعله معه ورشحه للتعيين بالمجلس الأعلي للشباب والرياضة وفي أثناء ذلك جاء دوره في الخدمة العسكرية التي استطاع أداءها بنفس الكفاءة والمهارة لينتهي منها بقدوة حسنة.. ثم تأتي محطته الثالثة حين استهوته القراءة عن الهجرة الشرعية إلي أمريكا وراح يستوفي الأوراق الخاصة بها وسط سخرية زملائه بالشباب والرياضة خاصة ان من بين شروط السفر ان يكون قادراً مادياً وهو لا يزال حديث العهد بالعمل بالحكومة ومن أسرة متوسطة الدخل. المهم تحقق له ما سخر منه زملاؤه حين استدعته القنصلية الأمريكية لفحص أوراقه ومازلت اتذكر كيف سألته الموظفة المسئولة بالقنصلية: من أين سيأتي بالمبلغ الكبير المذكور في الأوراق أجابها بكل صراحة انه لا يملك مثل هذا المبلغ لكنه سيعتمد علي الله ثم علي أحد اصدقائه هناك.. وتقديرا منها لصراحته وصدقه وافقت علي قبول طلب الهجرة لذا كم كانت الستة أشهر الأولي من وصول ابني إلي امريكا من اقسي الشهور التي مرت علي ابني حيث بدأ يعاني من نقص شديد في احتياجاته المعيشية مما كان يضطره إلي العمل 20 ساعة في اليوم الواحد.. وليته يكفي فراح يقترض من أحد الأصدقاء وظلت الديون تتراكم عليه حتي ضاقت به تماما. ضاقت به يا سيدتي لدرجة كان أمامه ان يقبل بأي عرض يضمن له سداد ديونه والعودة من حيث جاء. اتاه رئيسه في العمل يعرض عليه مشاركته في مهمة مالها كثير لكنها تغضب الله فلم يعطه اي اذن واخذ يتضرع للمولي "عز وجل" بان يفك كربه فأرسل الله له بفتاة يمنيه تدعي "سمية" ولدت في كينيا ولا تعرف من العربية إلا كلمة السلام عليكم .. تلك الفتاة وقفت بجانبه تشجعه وتعينه في محنته ليأتيه الفرج من أوسع أبوابه فقد توصل إلي الخلطه السحرية لنوع شهير من الحلوي الشعبية في أمريكا وهي قريبة من لقمة القاضي عندنا وفي خلال فترة وجيزة اشتهر كأمهر حلواني عربي ما اعانه علي التوسع في هذا المجال ليحقق مكاسب عالية ساعدته علي سداد ديونه ومرت الايام.. وتقابل بالعديد من الأسر الامريكية التي توطدت علاقته بهم من شدة حبهم لمصر وللمصريين القادمين من بلد الأزهر الشريف باختصار في شهور معدودة تبدل حال ابني من إنسان تعس حزين إلي إنسان راض وسعيد من مرءوس لرئيس علي هذا الشخص الذي كاد يفتنه. ومن فقير إلي غني قادر علي تحقيق الكثير لنفسه وللفقراء فضلا عني وأمه وأشقائه الثلاثة ففي خلال السبع سنوات التي أمضاها في أمريكا استطاع ان يحقق حلم شقيقته في ان يكون فرحها يوماً من أيام ألف ليلة يدعي إليه الفقراء قبل القادرين. ساعد شقيقه الثاني في إقامة مشروع صار الآن من أكبر المشروعات وأعان شقيقه الأوسط علي شراء شقة الزواج التي يحلم بها مثلما اشتري لي ولأمه شقة أكبر مما كنا فيها كما لم ينس نفسه وتزوج بالفتاة المناسبة لكنه آثر في النهاية العودة إلي مصر وإلي عمله في الشباب والرياضة خاصة بعد قدوم الأبناء. هكذا استطاع ابني الكبير ان يطوع سنوات الغربة لصالحه فلم يتركها لتكسره بل تذكر قدرة الله عليه فلم يمل أو ينحرف.. والقصة أهديها لكل من ينتوي السفر والهجرة تمسكوا بأخلاقكم تدنو لكم الدنيا بما فيها. اسماعيل حسن علي - الإسكندرية المحررة: حمدا لله علي سلامتك يا شيخ إسماعيل.. في السابق حدثتنا وعبر رسالتك "وتذكرت الصخرة" عن تجربة سفرك المتكرر إلي لبنان وكيف واجهت خلال رحلاتك إليه الخير والشر وكيف نجوت؟؟ ولأن ابن الوز عوام فقد صار ابنك الكبير علي خطاك في عشقه للبحر والسفر والترحال وقبل كل ذلك انتباهه ويقظته للمطبات الشرسة التي ستقابله والتي لا يتجاوزها إلا من وضع نصب عينه الاية الكريمة "قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين".. وهي الروشتة الحقيقية التي نصفها لكل شاب يعتزم تغيير وجهته والهجرة لأي بلد كان.. لا شك ان رحلة ابنك لبلاد العم سام تجلت فيها مهارته في الصبر علي المكاره ولا يمكنني أن أنظر إليها بمعزل عن المهارات الأولي التي اكتسبها في السباحة والغوص وفي كل مهمة تسند إليه وكان من حسن التوفيق ان الله وضع في طريقه من البداية من أعانه علي تطوير تلك المهارات ومنحه الثقة في نفسه وهذا ما يفتقر إليه شباب كثير اليوم.. كذلك من حسن التوفيق انه نشأ في أسرة متماسكة يسكن الود والتفاهم افرادها لتبقي الحكمة التي التزم بها ولدك الماهر: إذا صعدت الجبل فانظر إلي القمة.. ولا تلتفت إلي الصخور المتناثرة حولك.. فهل يقتدي به شبابنا؟؟ *** وداعا ميتشو منذ أيام رحل عنا الكابتن حسين محمد عثمان الشهير بميتشو الذي وافته المنية أثناء عمله بشركة النقل المباشر ليتحقق له آخر ما كان يتمناه بأن يظل يعمل علي كرسيه المتحرك ويؤدي خدماته لكل العاملين بالشركة بصفته رئيساً للجنة النقابية.. حتي آخر يوم في عمره.. يذكر ان الراحل ميتشو كان ضيفا علي نافذتنا حين كتب لنا وتحت عنوان فدائية ميتشو زميله في الشركة وفي الملعب أيضا الكابتن محمد عبد الكريم امام وكيف قهر المرض بعدما تعرض إلي قصور بالدورة الدموية أدت إلي بتر ساقه اليسري وعدد من أصابع يده وفوق كل هذا رفضه التام الحصول علي اي اجازة مفتوحة رغم أحقيته وفقا للقانون.. رحمك الله يا كابتن ميتشو وأسكنك فسيح جناته.