رغم رفض النظام السابق للحوار المجتمعي البناء مع مختلف القوي السياسية بكافة صوره ففي بداية التسعينيات وتحديداً في يناير 1992 سمح في سابقة فريدة لم تتكرر بعد مناظرة فكرية علنية في أرض المعارض بمدينة نصر بين الإسلاميين والعلمانيين ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب. وكان علي رأس المفكرين الإسلاميين الشيخ محمد الغزالي والمستشار مأمون الهضيبي رحمهما الله ود. محمد عمارة وعلي الجانب الآخر ناظرهم د. فرج فودة والمفكر محمد خلف الله وتصدي الشيخ الغزالي لضحد فكرة الدولة الدينية العالقة في أذهان العلمانيين والليبيريين وتفنيد مزاعمهم والادعاء بأن الخلافة الإسلامية ودولة الرسول صلي الله عليه وسلم كانت دولة دينية ولم تعرف للمدنية سبيلاً. وقال د. عمارة إن العلمانيين يستقون التاريخ من كتب ألف ليلة وليلة وأنهم يجهلون التفرقة بين الدولة المدنية والدولة الدينية التي عرفتها أوروبا في عصور الظلام. وخرج الإسلاميون منتصرين في تظاهرة حاشدة شهدها أكثر من ثلاثين ألفا من رواد معرض الكتاب.. وجاءت الرياح بما لا تشتهي السفن حيث كان الهدف الاساسي من المناظرة هو احراج الإسلاميين وتسفيه أفكارهم وغرس المزيد من الأشواك في الشارع المصري وتسميم الأجواء بين الإسلاميين ودعاة الفكر التحرري العلماني واحداث فجوات فكرية بين المعسكرين. وقد ساهمت هذه السياسة الخبيثة في استفزاز فصيل من الجماعة الإسلامية المتشددة وخاصة بعد أن افسحت وسائل الإعلام المجال والمساحات للدكتور فرج فودة لمهاجمة الجماعات الإسلامية والشريعة الإسلامية والتشكيك في نوايا وتوجهات كافة التيارات الإسلامية في ذلك الوقت. وبعدها بأسابيع قليلة اغتيل د. فرج فودة علي أيدي مجموعة من المتشددين وبدأت بعدها حملة موسعة لمحاربة الإسلاميين المعتدلين والمتشددين علي السواء تارة بالاعتقالات وتارة بالمواجهات المسلحة والتصفية الجسدية وحرص النظام البائد بقبضة فولاذية حديدية علي إزكاء هذا التوتر واستمرار اجواء انعدام الثقة في الشارع السياسي المصري. وخسر المصريون كثيراً من جراء تلك الممارسات التعسفية والتي ضاعفت أعداء الغالبية الصامتة في الحياة السياسية المصرية وكرست بالطبع منطق ومفهوم الحزب الفرعوني الواحد الذي يقود الناس إلي سبيل الرشاد. ويبقي السؤال متي نقتلع جذور هذه الأشواك؟