تباينت ردود الأفعال في إعلامنا المقروء والمرئي حول دعوة المصالحة مع قطر.. وكشفت التحقيقات الصحفية والمقالات التي نشرت والبرامج الفضائية التي أذيعت أن المصالحة ليست قضية سهلة.. بل هي معقدة وشائكة.. ولها أبعاد وزوايا مختلفة.. ومن ثم فالتباين بشأنها أمر طبيعي.. لأن كل كاتب وكل إعلامي ينظر إلي هذه المصالحة من الزاوية التي يريدها.. أو قل من الزاوية التي تخصه. وبما أن القضية لها حساسية خاصة تجعلها مطروحة بحذر.. فسوف أحاول سريعاً تقديم نماذج من المعالجات التي تناولت المصالحة والرؤي المتباينة التي قدمت بشأنها في النقاط التالية: * في اليوم التالي مباشرة لإعلان رسالة خادم الحرمين حول المصالحة ولم الشمل خرجت بعض صحفنا تستبق الأحداث وتبالغ في الحديث عن التغيير الذي طرأ علي قناة الجزيرة تجاه مصر.. بينما انفردت الشروق بالتأكيد علي أن الجزيرة لم تتغير.. وكانت هذه الملاحظة الأولية مؤشراً علي أن إعلامنا ينظر إلي المصالحة مع قطر من زاوية الجزيرة.. الجزيرة أولاً والجزيرة أخيراً.. ولو لم تتغير الجزيرة فلا مصالحة علي الإطلاق. * صوت التفاؤل بالمصالحة كان ولايزال خافتاً.. بينما كان صوت الرافضين والمشككين والمتشائمين عالياً ولايزال.. الدكتور أسامة الغزالي حرب كتب مقالاً في الأهرام تحت عنوان "الشعب يعترض" اختتمه بهذه العبارة: "أما تقديري الشخصي فهو أنني لا أتوقع تغييراً حقيقياً في سياسات الدوحة.. ببساطة لأنها ليست إلا أداة لقوي أخري ينبغي أن يتم التفاهم معها مباشرة بلا لف ولا دوران!". * في نفس الاتجاه يكتب الزميل أنور الهواري في "المصري اليوم" أن العرب سوف يعانون في الفترة القادمة من فتنة قطر.. ووائل الإبراشي لم يتلق اتصالاً واحداً في برنامجه "العاشرة مساء" يوم الاربعاء الماضي يتجاوب مع المصالحة.. كل جمهوره كان رافضاً للفكرة من الأساس.. وبعضهم كال لقطر ولأميرها شتائم وإهانات علي الهواء. * الأستاذ فهمي هويدي نشر مقالاً في الشروق يوم السبت الماضي رجح فيه أن يكون المطروح مع قطر حالياً تهدئة وليس هدنة أو مصالحة.. ومع ذلك فالتهدئة تمثل تطوراً إيجابياً بالنظر إلي المخاطر الاستراتيجية التي يتعرض لها عالمنا العربي. * الزميل عبدالله السناوي كتب تحت عنوان "الاختبار القطري" أن المصالح الخليجية قبل أي شيء هي التي أقتضت تفاهمات الرياض.. والاختبار الجدي لأي مصالحة ممكنة مع قطر هو الملف الليبي ثم الملف السوري.. هناك اتهامات معلنة لقطر بتمويل تهريب السلاح من ليبيا إلي الداخل المصري وهذه مسألة خطيرة تحتاج إلي حوار علي أعلي مستوي. * الزميل عماد الدين حسين رئيس تحرير الشروق يأخذنا إلي زاوية أخري بمقال تحت عنوان "رسالة إلي زملاء لا يقرأون" يطرح فيه العديد من الأسئلة مثل: لو حدثت المصالحة مع قطر فإن الإعلاميين الذين خاضوا في أعراض الأسرة الحاكمة القطرية سيتوقفون فوراً.. فكيف سيكون شعورهم؟!.. ما الذي يدفع صحفياً أن يدخل في "وصلة ردح" مع هذا المسئول أو ذاك؟!.. لماذا لا يكتفي الإعلامي بنقد السياسات والأفكار وليس الأشخاص والعائلات؟!.. ما هي وظيفة الإعلامي الأساسية: الصحافة أم السياسة؟! ثم يختم المقال قائلاً: "نتمني أن تكون الأزمة الأخيرة درساً للجميع بحيث يظل السياسي سياسياً والصحفي صحفياً.. وأن تكون القاعدة الأساسية هي الاحترام.. فإن لم نستطع فليكن القانون". وهكذا أيقظت المصالحة العديد من المواجع.. وذكرتنا بأن مشكلتنا في غياب المعايير وافتقاد المهنية وارتفاع صوت طبول النفاق حتي تطغي علي الحقيقة.