صارت الدعوة للمظاهرات المليونية أيسر من محاولة تجميع عشرة أشخاص فقط علي مقهي بلدي لشرب الشاي وتدخين الشيشة. فالمظاهرات أي مظاهرات أصبحت تستهوي فئات كثيرة من الشعب المصري. ليس من أجل تحقيق مطالب كبري استراتيجية. بل لمجرد المشاركة في أي كرنفال سياسي. علي ما يبدو. أذكر ان الشاعر عبدالرحمن يوسف وهو يحكي عن بواكير نجاح ثورة 25 يناير تندر بأنه هو ورفاقه الذين نظموا وخاضوا احتجاجات سياسية كثيرة منذ عام 2005 تقريباً وحتي قيام الثورة كانوا ينجحون بصعوبة بالغة في تجميع المئات لأي مظاهرة. سواء أمام مكتب النائب العام أو في أي مكان في وسط القاهرة. وان المتظاهرين كانوا يتسربون بعد ساعة أو ساعتين من علي أي زاوية رصيف يقفون عليه للحاق بوجبة الغداء في المنزل أو وفاء لموعد مع صديق علي القهوة! ماذا حدث إذن؟.. هل نحن إزاء حالة هياج شعبي لايخمد؟ نعم علي الأرجح. فالشعب المكبوت لعشرات السنين يمارس الآن حقه في التظاهر بعنفوان لامثيل له. والعنفوان يتحول إلي عنف في بعض الأحيان. وليس هناك أية ضمانات لتنظيم المشاعر المتأججة لجموع المصريين في كل الأحوال واستثمارها الاستثمار الأمثل. بل علي العكس. لم نعد نثق في أن التحريض علي الخروج في المظاهرات المليونية يتم بطريقة عفوية في كل المرات. بينما يعتقد كثيرون غفلة أو سذاجة ان الشعب المصري الجريح والمحبط.. انفلت عقاله من مربط الديكتاتورية وظلامها الطويل. فراح يلبي أية دعوة للتظاهر في طقس جماعي مثير يتكرر كل يوم جمعة "يوم العطلة الرسمية للبلاد". ماهو التفسير الصحيح إذن؟ الدعاوي المليونية لاتتم لوجه الله والوطن. يتم الحشد لها وتنظيمها من جانب جماعات ومؤسسات بعينها. وإلا بماذا نفسر ان مظاهرات ميدان التحرير تضم أعضاء جماعات الإخوان وعائلاتهم والمتعاطفين معهم وبعض النخب السياسية ويمتليء بهم الميدان عن آخره بينما في أيام الجُمع. الأخري لايزيد العدد علي بضع مئات؟ وبماذا نفسر تجمع آلاف المسيحيين أمام مبني التليفزيون في ماسبيرو في مناسبات بعينها وانفضاضهم ليتقلص العدد إلي بعض عشرات فقط في أيام أخري؟ هناك جهات تتولي الحشد بكل تأكيد. وتبعث بالرسائل إلي جهات أخري من خلال الايحاء بالقدرة علي التجييش. نحن ازاء عمليات استعراض للقوة. لا تخطئها العين ولاتفوت علي القراءة الفاحصة المتأنية لشكل وجوهر تلك المليونيات المتتالية منذ اندلاع الثورة وما وضعته من أوزار. وما الحل..؟ لا بأس من هذه الاستعراضات الجهوية إذا كانت تنفيساً عن احتقانات مجتمعية وبديلاً عن مصادمات تهدد بحرب أهلية.