سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن الأحد 30 يونيو 2024    حادث على بعد 13 ميلا من ميناء المخا اليمني    درجات الحرارة اليوم الأحد 30-6-2024 فى مصر    لحظات تحليق البالون الطائر فى سماء الأقصر احتفالا بذكرى 30 يونيو.. فيديو وصور    استمرار الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية الفرنسية    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأحد 30 يونيو    «زي النهارده».. ثورة 30 يونيو تطيح بحكم الإخوان 30 يونيو 2013    نتائج أولية.. الغزواني في المقدمة بانتخابات الرئاسة الموريتانية    رهينة إسرائيلية مطلق سراحها: هل يمكننا أن نتعلم الحب وليس الكره    أصالة تعزي الملك محمد السادس في وفاة والدته    كوبا أمريكا 2024| منتخب تشيلي يتعادل مع كندا ويودع البطولة    شاهد محمد أبو تريكة يصنع الحدث في مواقع التواصل بعد احداث مباراة المانيا والدنمارك ... خالد منتصر يسخر من تصريحات محمد أبو تريكة    ياسر أيوب: اتحاد الكرة يعاني من تهديد الأهلي والزمالك في قرارات الانسحاب    جهاد جريشة: أطالب رابطة الأندية بالاعتذار للاتحاد السكندري    هشام يكن: الزمالك أخطأ لخوضه مباراة سيراميكا كليوباترا    مقرر استثمار الحوار الوطني: أوربا في أزمة طاقة.. ومصر الوجهة الأهم لتوفير الطاقة المتجددة    أسعار اللحوم والدواجن والخضروات والفواكه اليوم الأحد 30 يونيو    إعادة ضخ المياه إلى منطقة الدقى وإستئناف تسيير حركة السيارات (تفاصيل)    مدحت صالح يطرب جمهور الأوبرا بأروع أغانيه على المسرح الكبير    نجوم العالم العربي يطلوّن في البرنامج الجديد «بيت السعد»    "لو تجاري".. اعرف موعد إعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2024    "أبو الغيط": مبارك رفض التصدي للاتصالات الأمريكية مع الإخوان لهذا السبب    التطبيق من الغد، شعبة المخابز تكشف عن التكلفة الجديدة لإنتاج الخبز    الأرجنتين تصعق بيرو بثنائية لاوتارو وكندا تبلغ ربع نهائي كوبا أمريكا لأول مرة    تفاصيل جديدة عن زواج نجوى كرم    هل يجوز التهنئة برأس السنة الهجرية.. الإفتاء توضح    الصحة: مرضى الاكتئاب أكثر عرضة للإصابة بالسرطان    عاجل.. لطلاب الثانوية العامة.. الأسئلة المتوقعة في امتحان الإنجليزي    ملف يلا كورة.. مصير الشناوي.. انتصار الزمالك.. ونهاية مشوار موديست مع الأهلي    وزير خارجية اليمن: القضية الفلسطينية على رأس أولويات القاهرة وصنعاء    «السيستم عطلان».. رابطة مصنعي السيارات تكشف أسباب تكدس العربيات في الموانئ    حظك اليوم برج القوس الأحد 30-6-2024 مهنيا وعاطفيا    محمد رمضان يقدم حفل ختام ناجحا لمهرجان موازين وسط حضور جماهيرى ضخم    أسعار ومواصفات بيجو 2008 موديل 2024    ما هي أول صلاة صلاها الرسول؟.. الظهر أم العصر    من هو أول من وضع التقويم الهجري؟ ولماذا ظهر بعد وفاة الرسول؟    عصام عبد الفتاح يكشف فضيحة تلاعب كلاتنبرج بالخطوط لصالح الأهلي    عاجل.. فيروس "حمى النيل" يهدد جنود الاحتلال الإسرائيلي.. وحالة من الرعب    اعرف وزن وطول طفلك المثالي حسب السن أو العمر    حكم الشرع في الصلاة داخل المساجد التي بها أضرحة.. الإفتاء تجيب    متحدث التعليم: شكلنا لجنة للوقوف على شكوى امتحان الفيزياء والتقرير في صالح الطلاب    عمرو أديب: مستقبل وطن يمتلك كوادر تنظيمية تستطيع تخفيف الأزمة الاقتصادية| فيديو    ضبط مسجل خطر بحوزته مواد مخدرة وسلاح ناري في الأقصر    الإجازات تلاحق الموظفين.. 10 أيام عطلة رسمية في شهر يوليو بعد ثورة 30 يونيو (تفاصيل)    ظهور مؤثر لVAR وقرارات مثيرة فى مباراتى الزمالك وسيراميكا والاتحاد ضد الداخلية    حقيقة تأجيل الضمان الاجتماعي المطور لشهر يوليو 1445    "طعنة بالصدر".. ننشر صورة المتهم بقتل سباك الوراق بسبب المخدرات    5 علامات تدل على خلل الهرمونات بعد الحمل.. لاتتجاهليهم    رئيس لجنة الصناعة ب«الشيوخ»: 30 يونيو ثورة شعب ضد قوى التطرف والتخلف استجاب لها قائد عظيم لتحقيق طموحات الشعب    مصطفى بكري: إعلان تشكيل الحكومة الجديدة 3 يوليو    بالتزامن مع بداية امتحاناتها.. 14 معلومة عن برامج الماجستير والدكتوراة المهنية بجامعة الأقصر    «الزنداني»: هجمات الحوثيين في البحر الأحمر هدفها كسب تأييد شعبي    أستاذ علوم سياسية: الدول المنادية بحقوق الإنسان لم تقم بدور مهم حول غزة    د.حماد عبدالله يكتب: "البلطجة والسفالة" وسكان القصور!!    إصابة 4 أشخاص بينهم طفل بلدغات سامة في الوادي الجديد    رمضان عبد المعز: الصلاة على النبى تنصرك على آلام وأحزان ومصاعب الدنيا    مجلس جامعة الأزهر يهنئ الرئيس السيسي بالذكرى ال 11 لثورة 30 يونيو    الري: توجيهات رئاسية بدعم أشقائنا الأفارقة في مجال الموارد المائية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المستقبل .. الآن .. كيف ولماذا جري ما جري ؟

اضطربت مصر.. فدخل الرئيس أوباما إلي غرفة العمليات.. وارتبكت واشنطن.. وارتعشت العواصم العربية.. ووضعت الصين كلمة «مصر» ضمن ممنوعات محركات البحث علي الإنترنت حتي لا يعرف الصينيون ما الذي جري في القاهرة.
لم تكن المشكلة هي كيف ينظر العالم إلي ما جري ويجري في مصر.. رئيس الوزراء الجديد أحمد شفيق أشاح بيده في تعال حين سئل عن السيناريوهات التي تطرح خارجيا، وتحديدا في واشنطن، لانتقال السلطة في القاهرة، كانت المشكلات هي كيف يعبر المصريون أسبوعا صعبا ووقتا عصيبا.. كشف عن طاقة جديدة براقة في مكنون المجتمع تمثلت في شباب 25 يناير.. لكنها كشفت كذلك عن مجموعة رهيبة من أصحاب المطامع والخطط التي وضعت هؤلاء الشباب في المقدمة.. ثم تقافزوا من حوله.. كل نحو هدفه.
في هذه اللحظة: حيث الرءوس ساخنة والمشاعر ملتهبة والحالة الثورية في أوجها والتفاعل لم يكتمل.. لن يقبل «كنز مصر المتجدد».. أي شبابها.. مثل تلك التحليلات.. هذا الشباب يعيش الآن فخر مجده.. لن يوافق علي أن ينسب إلي لحظة تجليه أنه كان سببا في أي مظاهر تخريب تعرض لها البلد.. أو أن نقاءه المثمر وبراءته التي حققت الكثير وظفها البعض من أجل تحقيق مصالح إقليمية معقدة. في حي الزمالك، كان ناشط ألماني يدفع عشرة آلاف جنيه يوميا لمحل فول وطعمية يجهز له ألفي «ساندوتش» ثمن كل منها «خمسة جنيهات». هكذا تمكن صاحب المحل من أن يقنع المشتري الأجنبي أن ذلك هو سعر الساندويتش.. ومن ثم وفر «الطلبية» خمسة أيام تلو بعضها.. كانت تذهب جميعا إلي ميدان التحرير.. حيث أظهرت بعض صور التلفزة أن العشرات من المتواجدين في ساحة التظاهر يتدافعون من أجل وجبة تعينهم علي الصمود يوما وراء يوم.. أو حتي نهاية اليوم.
الأجانب كانوا بعض أولئك المتقافزين حول «شباب مصر النقي».. نشطاء من مختلف أنحاء العالم.. ينتمون إلي منظمات مدنية.. تتشاطر الجهود في مثل تلك الأحداث.. فتعين بعضها البعض.. ويوم لك هنا.. ويوم لي هناك.. عصر يوم الخميس الماضي اقتحمت قوة من الجيش مكتب منظمة مدنية مصرية.. حيث وجدت مبالغ طائلة من الأموال السائلة وعشرات من النشطاء الأجانب مع كمية هائلة من أجهزة الكمبيوتر والمطبوعات.. قبل ذلك بيوم أذاع التليفزيون المصري لمرة واحدة تقريرا صور فيه مواطنا يشير إلي شخص أجنبي وهو يقول: هذا الرجل.. أعطاني ورقة وقلما.. وقال لي اكتب: «نو مبارك».
مثل تلك الورقة كانت تعج بها ساحة ميدان التحرير التي تحولت إلي كرنفال سياسي صاخب.. تخفي حشوده حقائق مهولة.. بعضها تعمدنا جميعا تجاهله أو الاستخفاف به إلي أن فجر نفسه.. فأدركنا الحقيقة التي يجب أن نعرف عليها المجتمع الذي كنا ندعي أننا نفهمه.
- البداية: 6 يناير
في يوم 15 يناير سقط زين العابدين بن علي حاكم تونس.. في ذات اليوم تقريبا دُعي إلي مظاهرات يوم الثلاثاء 25 يناير علي شبكة الإنترنت.. حيث تتفاعل فئة واسعة من شباب مصر غير المنظورين من أجيال يبدو أن بينها وبين هؤلاء دهورا.. انضوي تحت الدعوة عدد لافت مما عرف باسم حركات الاحتجاج.. ومنها 6 أبريل.. ودُعي إلي التظاهر الإخوان المسلمون فترددوا.. ثم قالوا علنا إنهم لن يشاركوا.. ثم أعلنوا أنهم سوف يشاركون بفئة قليلة.. نحو خمسين شخصا. في يوم الثلاثاء، وكان يوم إجازة، خرجت المظاهرات من مناطق مختلفة في القاهرة. في حي شبرا، وأمام دار القضاء العالي.. وأمام نقابة الصحفيين.. وعند مجمع التحرير.. وفي المطرية.. ما بين العشرات والمئات كانوا يتوزعون في وقفات.. تحاول أن تصبح مسيرات.. فتمنعها الشرطة بقليل من التمنع.. ثم تتركها تتحرك.. كان المعلن هو أنها سوف تذهب إلي التحرير.. عند الساعة الثانية أدرك الإخوان أن هناك حركة متماوجة في الشارع.. اندفعت ألوف منهم في القاهرة إلي مختلف المسيرات للقفز فوقها.. وصل الجميع إلي التحرير.. وبدأ الحدث الكبير.. وأعلن عن يوم «جمعة الغضب» في 28 يناير.
مطلع العام، بعد نصف ساعة من منتصف الليل، انفجرت العبوة الانتحارية التي أدت إلي مقتل 21 قبطيا عند كنيسة القديسين في الإسكندرية.. لم يكن هذا الحدث بعيدا أبدا عما جري فيما بعد يوم 28 يناير.. الإرهاب استهدف مصر كلها.. أراد تشطير البلد بين مسلم ومسيحي ونشوب فتنة لا تقف.. انهمكت أجهزة الأمن في البحث عن الجناة.. لم تقو أجهزة الدولة علي إقناع الأقباط بأن الجريمة استهدفت المصريين وليس هم وحدهم.. تظاهر الشباب القبطي غاضبا. دخل بينهم أعضاء في الحركات الاحتجاجية بحثا عن لحظة ثورية.. وحين حاد الغضب القبطي عن حدود معروفة كان أن وجد البابا شنودة في ذلك التداخل ما بين الشباب الثوري وما بين الشباب القبطي فرصة لكي يتهم آخرين غير أقباط بأنهم اندسوا بينهم.
انتبه المجتمع إلي خطورة التهديد بانقسامه.. سمع أجراس الإنذار.. التقط الشباب الخيط بمبادرة منهم.. خصوصا علي شبكات التواصل الاجتماعي.. وضع بعض الأقباط علي صفحاتهم في الفيس بوك صورة الصليب.. وضع أغلب الأقباط وأغلب المسلمين صورة الصليب يعانق الهلال.. ووضع آخرون صورة علم مصر.. انتشرت دعوة علي الإنترنت استحالت إلي واقع بأن يذهب المسلمون إلي الكنائس ليكونوا مع إخوانهم الأقباط دروعا بشرية ضد أي تهديد إرهابي للكنائس.. في يوم 6 يناير شهدت الكنائس المصرية أكبر عدد من توافد المحجبات ووقوف عدد مهول من الشباب المسلم فوق المنصات للخطبة داخل الكنائس تضامنا.. هذا الشباب هو نفسه الذي كان منه قطاع كبير قد ذهب إلي ميدان التحرير.
بالمصادفة تحاورت حول الأمر مع اثنين من رؤساء وزراء مصر.. الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء المقال كان قد قال في اجتماع مع رؤساء تحرير الصحف أنه مندهش لأنه يجد أن كثيرا من المصريين قد وضعوا صورا للصليب مع الهلال في صفحاتهم. وقتها مازحته قائلا إن لديه إذن حسابا علي الفيس بوك.. وأنه يري هذا في الموقع وأن عليه أن يعطيني حسابه لكي أطلب إضافته إلي صفحتي.. هذه الدهشة من نظيف والتقاطه الفعلي للجديد الحادث بين الشباب لم تكن تعني أنه استوعب بدقة معني المتغيرات الجارية بين الشباب.
في وقت لاحق كنت أتناقش مع الدكتور أحمد شفيق في مكتبه بوزارة الطيران حول المجريات.. كانت المناقشة تدور حول انتقاداته التي يوجهها بصراحة في اجتماعات مجلس الوزراء لأداء الحكومة العام.. وسألته عن وقائع بعينها.. وموقفه المناقض لمجموعة وزراء القطاع الخاص.. وقتها قلت له إن علينا أن ننتبه إلي أن الشباب الذي عبر عن نفسه يوم 6 يناير بهذه الصراحة كاشفا عن معدن نفيس تملكه مصر.. يحمل مكنونات خطورة.. وأضفت ببساطة: هذا الشباب تحرك من نفسه.. بدون قيادة من أحد.. وذهب في هذا الاتجاه.. فكيف به إذا ذهب في اتجاه آخر.. كيف نستفيد منه.. ولماذا لم تبحث الحكومة عن سبل من أجل ذلك؟.. وقتها قال الدكتور شفيق ساخرا: إن الأمور تأخذ إيقاعها.
بعد نحو ما يزيد علي أسبوعين من هذه المقابلة كان أن فازت مصر بأحمد شفيق رئيسا متوقعا للوزراء.. فرضته الترشيحات المستمرة منذ سنتين.. ودفعت إليه اللحظة العصيبة عقب أحداث يوم 28 يناير.. وأكدت جدارته قدرات معلنة ورؤية معروفة وإنجاز ملموس.. لقد كان أداء شفيق السياسي عبر الإعلام هو أحد أهم عوامل محاولة عبور مصر لأزمة السخونة المتفجرة في الشارع خلال الأسبوع الأخير.
- كيف سقط الوزير
حدث 6 يناير وما قبله وما بعده كشف عن أكثر من نقطة، لأي محلل يكون متابعا لهذا المجتمع:
- علي قدر تماسك هذا المجتمع في لحظات الخطر.. علي قدر ما يمكن أن ينفرط في لحظة بين جانبي استقطاب.. فرقته قنبلة الإرهاب في الإسكندرية لبضعة أيام.. وجمعته مشاعر الخوف علي البلد من فتنة طائفية رهيبة.. كان يمكن لحكومة مصر أن تبني علي عوامل التماسك فورا ولو بالإعلام.. لكن الحكومة المقالة لم تتصد لدورها كالعادة.. وكان هناك من أدرك أنه يمكن أن ينشطر هذا المجتمع في أي لحظة رغم قدرته علي التماسك.. بين أي فريقين.. مسلم ومسيحي.. مؤيد ومعارض.. شباب وكبار.. إخوان ومدنيين.. فقراء وأغنياء.
- لدي شباب مصر طاقة رهيبة جدا.. وأفكار عظيمة.. ورؤي مختلفة.. وتموج فيه مشاعر متنوعة.. لكنه يفتقد القيادة والقدوة.. ويمكن له أن يتحمس.. وأن يحتشد.. وأن يوظف في احتشاده وسائل الإنترنت المختلفة.
- إن هناك حالة تجاهل رسمية لما يدور بين الشباب علي الإنترنت.. سواء بين أولئك العصريين المدنيين الذين يوظفونها في التواصل والحوار وأيضا الاحتشاد.. أو بين أولئك المتطرفين الذين يدخلون علي الشبكة ليتعلموا كيف يمكن أن يصنعوا قنبلة لتدمير كنيسة.
- إن خللا ما يوجد في جهاز الأمن.. وعلي الرغم من أن هناك قدرة كبيرة علي اكتشاف أبعاد الجرائم الكبيرة.. كما جري في الإعلان عن أبعاد تفجير الإسكندرية.. إلا أن الوضع الأمني برمته قابل للاختراق بطريقة ما.. وأن هناك ثغرات.. منها تلك التي أدت إلي وقوع جريمة كنيسة القديسين البشعة نفسها يوم أول يناير.
في الأسبوع الماضي نشرت حوارا مطولا مع وزير الداخلية لم يكن مقررا له أن يتم.. اللواء حبيب العادلي اعتذر عن تلبية طلبي. قال إنه وعد الأهرام بأن يكشف عن أبعاد الجريمة. وأنه لو تم الكشف عنها سوف يجري الحوار وإن لم يتم فلن يجريه.. فهمت أيضا أن الوزير قد لا يجري حوارا معتادا مع الأستاذ مفيد فوزي متحججا بأنه مريض بالأنفلونزا.. عمليا كان هذا التقليص الإعلامي يعني أنه يشعر بقلق علي موقعه.. في ضوء ضغوط عليا مهولة عليه لكي يصل إلي أبعاد جريمة كنيسة القديسين بأسرع وقت ممكن.
تم الكشف عن أبعاد الجريمة، وفق السيناريو الذي أعلنته الداخلية، فشعر اللواء حبيب العادلي باستعادة الثقة.. وأجري الحوارات الثلاثة.. بما فيها ما كان قد اعتذر عنه معي.. وقد تم الحوار يوم الأربعاء قبل الماضي، حيث قابلته في مكتبه نحو الحادية عشرة والنصف.. وبدا عليه أنه لم يكن قد نام تقريبا.. فيما بعد فهمت أن الوزير كان قد جاء من بيته إلي مكتبه في حدود الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل لكي يشرف بنفسه علي إنهاء اعتصام مظاهرات يوم 25 يناير في ميدان التحرير.. وهو ما كان.
الحال كان مختلفا يوم الجمعة 28 يناير.. بدلا من أن يأتي الوزير إلي مكتبه فإنه بقي في بيته.. افتتح مسجدا في قرية الخمائل بأرض الشرطة في مدينة 6 أكتوبر في مواجهة متجر هايبر.. وعاد إلي قصره.. حيث تابع من هناك الأمور التي كانت تتصاعد .. بينما هو يرفض عروضا متكررة بأن يقوم الجيش بمساعدته.
من المذهل أنه كان هناك تقدير أن الموقف الأمني سيكون عصيبا.. وأن كل المسئولين في الدولة كانوا يدركون ذلك.. لكن التقدير في التعامل مع الأمر كان منخفضا تماما من قبل الوزير الذي كان هو نفسه يري أن هناك تحديات.. وافق علي عرض اللواء أحمد رمزي مدير قوات الأمن المركزي بأن يخرج جنوده إلي كل هذه المظاهرات بالدرع والعصا.. فقط.. فيما كانت توزع علي ألوف من المتظاهرين عبر الإنترنت قبل ذلك بأيام خطة موسعة لتدريب الشباب علي طريقة التعامل مع المظاهرات وصولا إلي قلب نظام الحكم.
أخذت العادلي العزة بالإثم.. غضب لأنه باعتباره قائد مؤسسة سوف يتلقي عونا من مؤسسة أخري.. وعلي الرغم من ذلك راعي القرار الصادر بنزول قوات الجيش أن ينص علي أن القوات العسكرية تعين قوات الشرطة في أداء مهامها.. جاء العادلي إلي مكتبه في حدود الخامسة.. ينسب إليه أنه أصدر أمرا بانسحاب قوات الأمن المركزي.. في صور المحطات التليفزيونية يمكن ملاحظة أن هناك رتلا من سيارات الأمن المركزي كانت تفر عائدة بعد الغروب بينما تقذف بطوب من المتظاهرين.
- الوزير في الدبابة
كان هناك شح رهيب في المعلومات.. هناك فقط حقيقتان مؤكدتان كانتا بين يدي أجهزة الشرطة: الأولي أن هناك مظاهرات سلمية سوف ينظمها شباب الحركات الاحتجاجية يوم الجمعة تطالب برحيل الرئيس.. الثانية أن الإخوان سوف يمتطون موجة المظاهرات إلي أقصي مدي.. في الساعات الأولي من صباح الجمعة.. وفي إطار الإجراءات الاحترازية تم إلقاء القبض علي عدد كبير من قيادات الإخوان.. بمن فيهم ثمانية من أعضاء مكتب الإرشاد.. لكن هذا كان متأخرا جدا.. قال لي مسئول سياسي واصفا ما سوف يجري وتعليقا علي عمليات القبض علي الإخوان: سيكون الجمعة يوما عصيبا.. ونواجه فيه تحديات كبيرة جدا.. عمليات إلقاء القبض علي الإخوان متأخرة للغاية.. لقد «ركبوا» المساجد فعلا قبل ساعات من فجر الجمعة.. فيما بعد ترك وزير الأوقاف حمدي زقزوق الذي كان مرشحا قبل عام لكي يكون شيخا للأزهر.. ترك منصبه التليد في الحكومة الجديدة.
في لحظة إلقاء القبض عليه قال عصام العريان لضباط الشرطة: سوف ترون غدا ماذا سنفعل فيكم! لقد بدا أن جهاز الأمن الذي كان قد استبعد فرضية أي تورط للإخوان في أحداث 6 يناير أو ما تلاها.. لم يعرف أبعاد مشاركة الإخوان في الحدث.. للدقة استخف بعض كبار الضباط، كان يعتقد أنه يمكن الانتهاء من موقف يوم الجمعة الساعة الثالثة عصرا.. «بالكثير في الخامسة».
لم تكن المشكلة في المظاهرات التي قام بها الشباب الثائر.. عملية تعبير عن الرأي واسعة النطاق.. تختلط أحيانا بصدامات متوقعة بين قوات فض الشغب والمتظاهرين.. ولا كانت المشكلة في المظاهرات التي سوف تجري في ميدان التحرير.. كانت المشكلة في المجريات التي دبرت علي نطاق واسع في مختلف أنحاء القاهرة.. علي هامش المظاهرات.
تخرج المظاهرة من مسجد ما.. تمر في شوارع الحي بقيادة الإخوان.. تحاول أن تجتذب إليها عددا أكبر من المتابعين.. تذهب استهدافا إلي قسم الشرطة في الأغلب.. أو مقر الحزب الوطني أحيانا.. أو مقر الحي في عدد من المرات.. تتجمهر المظاهرة حول القسم بإصرار.. يزيد العدد مع توافد عدد من أصحاب الباع في الإجرام ممن لهم خلفيات تعامل مع أجهزة الأمن.. لا يستطيع الضباط التعامل مع الموقف الخطير لسببين: الأول أن أغلبية العاملين في القسم في خدمات خارجية لمتابعة المظاهرات.. في أماكن متفرقة.. وثانيا لأن هناك تعليمات بالتعامل السلمي مع المظاهرات.. بعض من تلك المظاهرات التي انتهت بحرق أقسام كان يتواجد في صدارتها مرشحون راسبون في الانتخابات للإخوان.
في لحظة ما يلقي أحدهم من قلب المظاهرة بكرة لهب.. يبدأ القسم في الاحتراق.. تتدافع كرات اللهب.. يندفع بعض من هم في المظاهرة إلي داخل القسم.. يلاحق البعض الضباط.. في قسم الجمرك بالإسكندرية تم قذف ضابط من الطابق الرابع علي طريقة حماس مع ضباط فتح.. يتجه فريق آخر إلي السلاحليك للحصول علي السلاح.. ويفتح الحجز للإفراج عن المجرمين.
لا أعتقد أنه كان مقررا الوصول بعدد عمليات الحرق في الأقسام إلي هذا العدد.. «16 قسما» في القاهرة.. الذي أدي إلي ارتفاع الرقم هو حالة الانفراط التي وقعت في أجهزة الداخلية فجأة.. في الساعة الثالثة تقريبا تعثرت التعليمات في أجهزة اللاسلكي.. الضباط أصبحوا يسألون فلا يجدون سوي إجابة من نوع «جاري».. أي أنه لم تصدر تعليمات بعد.. سري انطباع خاطئ بأن هناك ارتباكا رهيبا.. لا يقتصر علي جهاز الشرطة.. بل يمتد إلي الدولة كلها.. تحول عدد كبير من الضباط المستهدفين جسديا إلي الدفاع عن أنفسهم ولو بالفرار من مواقعهم.
في علوم المعارك يمكن ببساطة توقع الثغرات حيث يتم العثور علي حلقة أضعف.. وفي خطط الدفاع يمكن مواجهة هذا بالتحركات من الأجناب لسد رتق أي ثغرة.. لكن الانهيار الكامل يحدث حين تقع المشكلة في القيادة.. وقد كان هذا هو ما وقع في جهاز الشرطة يوم 28 يناير الماضي.. إلي أن خرج العادلي من مكتبه يوم الأحد 30 يناير 2011 في حدود السابعة مساء بالتريننج سوت إلي داخل دبابة.
- مكاسب وخسائر
متي وصل كل هذا الكم من الأجانب للقفز علي جهد شباب 25 يناير.. ومتي انهمرت علي مصر كل هذه العناصر من حماس وإيران والعراق وغيرها؟ هل حدث هذا قبل الانفلات الأمني أم بعده؟ يبدو أن النشطاء الأجانب الذين وفدوا إلي مصر مساندة وتعضيدا وتشبيكا مع الحلقات الدولية التي ترتبط بها مجموعات العمل في مجال حقوق الإنسان أو منظمات المجتمع المدني قد جاءوا إلي القاهرة بداية في الفترة ما بين الثلاثاء 25 يناير والجمعة 28 يناير.. ويبدو أن العناصر التي دفعت إلي القاهرة وغيرها من المحافظات لتأجيج المناخ المصاحب لأحداث التحرير قد وصلوا توا إلي مصر مع حدوث الانفلات الأمني.. وفيما تلا ذلك. من المثير أن عمليات الهجوم علي السجون كانت تؤدي إلي تسفير متهمين مسجونين تابعين إلي جماعات إقليمية بعينها.. مثل حزب الله وحماس... وبينما كان يصل غيرهم للقيام بأعمال أخري.
في سوق التوفيقية عصر يوم الخميس ألقي الجيش القبض علي سبعة فلسطينيين ينتمون إلي حماس. وفي رفح كان الهجوم علي وحدة أمن الدولة آتيا من عناصر قسامية عبرت إلي مصر من خلال الأنفاق.
لم يكن غريبا أن يكون الخطاب الأول للرئيس مبارك في هذه الأزمة في نهاية يوم 28 يناير، حين أعلن إقالة الحكومة، قد عرف الأمر علي أنه استغلال لمظاهرات طبقت الحق في حرية التعبير.. لتنفيذ مؤامرة لقلب نظام الحكم.
في يوم الجمعة كانت عمليات الحرق واقتحام السجون وبعثرة الوثائق في المحاكم والهجوم علي مباني الأحياء.. بل ومحاولة اغتيال محافظ الإسكندرية.. تشير إلي أن ما يجري هو انقلاب كامل علي الدولة.. مصر 1952 كانت مستهدفة بالكامل. من فريق حرب غزة الذي أراد الإطاحة بمصر في يناير 2009، علي الجانب الآخر كانت الأفكار النبيلة التي تحرك مجموعة 25 يناير قد أصبحت أكثر تمسكا بمطلبها المعلن: رحيل الرئيس.. ربما دون أن تدرك أن جهدها المذهل يتم اختطافه أو توظيفه.
يقول بعض المحللين: إن الرئيس مبارك كان يمكنه أن يتخطي كل هذه الأحداث لو أنه في نهاية يوم 25 يناير كان قد أصدر أمرا بإقالة الحكومة.. وأن هذا كان يمكن أن يجنب الدولة كل تلك الأحداث التالية. في حقيقة الأمر لا أعتقد أن هذا كان سوف يؤدي إلي الوصول لحل لا يدفع المظاهرات إلي الانفجار.. لأكثر من سبب:
- تصاعد تأثير الزخم التونسي.. ورغبة الشباب في استثماره.
- أن هناك غالبا مطالب أخري كانت سوف تعلن واحدة تلو الأخري. خصوصا أن الأفكار التصعيدية في المظاهرات ليست ملك الشباب وحدهم.
- إن عملية تصعيد دولية تفاعلت من اللحظة الأولي مع مظاهرات يوم 25 يناير.. إن بعض المقالات الصادرة عن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني يومي 26 و27 يناير تتحدث بوضوح عن سيناريوهات يوم الجمعة التالي.. أي يوم 28 .. وكيف أن الدولة سوف تذهب إلي استدعاء الجيش وفرض حظر التجول. ولا يمكن فصل هذه التصورات عن انجذاب سيل من النشطاء ومراسلي وسائل الإعلام إلي مصر مع الدعوة إلي مظاهرات يوم 28 يناير.
- أن هناك قدرا من الغضب موجودا بالفعل في لحي المجتمع كان لابد أن ينفجر.. طاقة مكبوتة لا يمكن أن تبقي في موقعها.. وإلا تراكمت وحدث انفجار أوسع.. ويحسب للشباب المنتمين إلي يوم 25 يناير أنهم أطلقوا هذه الطاقة.. ما أدي إلي تلبية متطلبات كانت الدولة تري أنها سوف تؤدي إلي فوضي.. بغض النظر عن الانتهازيات الأخري التي وقعت علي جانبي هذا النهر الجديد من الحيوية.
علي كل، لقد قاد ما يحدث بغض النظر عن طبيعة مجريات ختامه، وأنا أنهي هذا المقال صباح الجمعة، ولا أظنه سوف يصل إلي نقطة التوازن في القريب العاجل، قاد إلي متغيرات مهولة.. جعلت من اللحظة الحالية وقتا لرسم صورة مستقبل مصر.. ليس بالمنطق الأمريكي الداعي إلي تغيير الحكم في مصر الآن وفورا.. وإنما بمنطق أن مصر قد تقبلت الإيقاع الأسرع للتغيير والتطوير مستفيدة من طاقة شبابها.. حتي لو كانت قد عانت من الضغوط المصاحبة لوقوع زلزال.. ويمكن في هذا السياق رصد ما يلي:
- كسبت مصر الانتباه إلي أن لديها جيلا جديدا مهيبا وواعدا ومنتميا ومسيسا، بغض النظر عن كل محاولات القفز عليه، وإن هذا الجيل لابد أن يحظي بما هو أبعد من الانتباه.. إذ ما هو المطلوب منه أكثر من أن يثور لكي يؤكد وجوده وضرورة الاستماع إليه والاستفادة من طاقته.
- كسبت مصر تعضيد شرعيتها استنادا إلي معايير وطنية، وليس إلي أوامر أمريكية.. وقد واجهت القاهرة ضغوط واشنطن وتوابعها الأوروبيين من خلال رباطة جأش شديدة من الرئيس، ولأن شرعيته لم تأت من الولايات المتحدة، ولأن فريق القيادة عند رأس الدولة: نائب الرئيس - رئيس الوزراء - وزير الدفاع - رئيس الأركان.. متماسك وموحد ولاؤه للشرعية وإخلاصه للرئيس. وهذه قيمة مهمة جدا ولها موقع تاريخي.
- كسبت مصر تعديل المادتين المؤثرتين علي طريقة تحديد شكل القيادة.. ورئيس الدولة ومدته.. بإعلان الرئيس تعديل المادتين 76 و77 من الدستور. مع تزايد احتمالات الاستجابة إلي تعديل المادة 88 الخاصة بالإشراف القضائي علي الانتخابات.
- كسبت مصر الثقة في الغد، ووضوح الرؤية بخصوص ما بعد الرئيس مبارك، ففضلا عن أن الرئيس قد فاز بصفة جديدة في سجله وهي أنه سيكون بإذن الله أول رئيس سابق لمصر.. فإن طريقة الترتيبات الدستورية وما يتلوها من انتخابات رئاسية سوف يقود إلي معرفة: كيف يكون أمر الحكم لو غاب الرئيس.. لاسيما مع تعيين السيد اللواء عمر سليمان نائبا للرئيس.. وهو خبرة عظيمة ورجل دولة جدير بالاحترام وله أسلوب خاص.. وكان قريبا من الرئيس لسنوات طويلة.
- كسبت مصر لغة خطاب سياسي جديدة، وصدمة لطمت مجموعة واسعة النطاق من السياسيين علي رءوسهم لكي ينتبهوا إلي متغيرات العصر.. خصوصا إذا كان بعضهم وقت الأزمة يرتكب حماقات علي نطاق واسع.. تسبب كوارث إضافية.
- كسبت انتباه الحزب الحاكم إلي مشكلاته وإلي نتائج الصراع التي وقعت بين أجنحته وتأثيرات ذلك علي بنيانه ووجوب أن ينتبه إلي استحقاقات ركنت جانبا استجابة لضغوط داخلية وإلي أنه يحتاج إلي شبكة علاقات جديدة مرتبطة بالعقيدة السياسية وليس بالتربيطات الاجتماعية فقط.
بخلاف ذلك خسرت مصر الكثير.. ويبقي أن نقيم جانبي المعادلة.. بين المكسب والخسارة.. علما بأن في مجريات الأسبوع الماضي كانت هناك عشرات من القضايا التي تستوجب التحليل والتدقيق.. ولكن بعد أن تكتمل معالم الصورة وأبعادها.
عبد الله كمال
يمكنكم مناقشة الكاتب وطرح الآراء المتنوعة على موقعه الشخصى
www.abkamal.net
أو موقع روزاليوسف:
www.rosaonline.net
أو على المدونتين فى العنوانين التاليين:
http//alsiasy.blospot.com
http//:abouzina.maktoobblog.com
أو للمتابعة على موقع تويتر:
twitter.com/abkamal
Email:[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.