في سابقة هي الأولي من نوعها تواجه مصر هذا الخطر الذي يهدد كل أبناء شعبها من أقصي البلاد لأقصاها. مياه النيل التي تجري في أنهارنا والترع ومختلف المجاري سوف يعتريها الجفاف. وإذا كنا نشكو من عدم وصول المياه إلي نهاية المصارف والمجاري في أيام التحاريق خلال الصيف فإن الشكوي سوف تكون مستمرة في مختلف المواقع. فقد وقعت دولة بوروندي علي الاتفاقية الإطارية لدول منابع حوض النيل. وبذلك وصل عدد الدول الموقعة علي الاتفاقية ست دول. ولم يبق علي أن تصبح هذه الاتفاقية نافذة سوي إقرار برلمانات الدول الست عليها. مما ينذر بكارثة أشد خطراً من أي أخطار أخري. وهل هناك شيء أشد خطورة من حرماننا سر الحياة علي سطح الأرض. تجري هذه الأعمال والعبث في مصب نهر النيل الذي يتدفق بالعطاء ونحن في شغل فاكهون. بعضنا مشغول في وقفات فئوية احتجاجية وآخرون يتظاهرون باستمرار في ميدان التحرير وفريق ثالث يبحث التعديلات الدستورية وفريق رابع مشغول بملفات الفساد وغيرها. ورغم أن هذه كلها أعمال مشروعة ولا أحد ينازع في مشروعيتها. لكن يجب أن نلتفت إلي خطر داهم لن يفلت منه واحد منا. فقد نفاجأ يوماً بأننا حين نفتح حنفية المياه فلن نجد قطرة ماء. وفي هذه الحالة سوف نواجه خطر الموت عطشا. فهل هناك هلاك أكثر من ذلك. أعتقد أن الواجب الوطني يحتم علينا جميعاً أن نضمد جراحنا ونعطي لأنفسنا فرصة لالتقاط الأنفاس خاصة أن ثورة الشباب في 25 يناير قد قفزت بنا خطوات هائلة وحولت الحلم إلي حقيقة ماثلة أمام أعيننا. المهمة هذه الفترة تتطلب أن نكون علي قلب رجل واحد. ونقف في وجه هذا الخطر. كل يقدم جهده والدراسات التي تتطلب معالجة هذا الموقف الخطير قانونياً ودولياً. وإثارة المحافل الدولية من أجل مطالبنا وحقوقنا المشروعة في مياه نهر النيل وفقاً للاتفاقية الموقعة في عام 1929. وأن تقدم لكافة المنظمات الدولية المستندات التي تذكر أحقيتنا في حصتنا وفقاً لهذه الاتفاقية وكذلك الاتفاقية الموقعة بين مصر والسودان في عام 1959 والتي تعطي مصر حق الحصول علي 55.5 مليار متر مكعب من المياه كل عام أي 87% من منسوب النيل والسودان 5.18 مليار متر مكعب. وأن نوضح لكل الأطراف ضرورة الالتزام بالاتفاقية الدولية. وأن تكون لدينا القدرة علي تفنيد المزاعم التي ترددها هذه الدول الست المتمثلة في تنزانيا وكينيا. وأوغندا وأثيوبيا وإريتريا ووروندي وتتضمن هذه الافتراءات في أن الاتفاقية موقعة في ظلال الاحتلال الإنجليزي وأن الأخيرة هي التي منحت مصر بموجب الاتفاقية حق الاعتراض علي إقامة مشاريع علي النيل خارج أراضيها قد تؤثر علي حصتها من المياه. وأن يكون لدينا رجال علي أعلي مستوي هندسي وقانوني ودولي لتوضيح هذه الحقوق المشروعة خاصة أن مصر غنية بالكثير من هذه الكفاءات. وكلهم قادرون علي بذل أقصي الجهد لوضع العالم أمام مسئوليته وأن المنظمة الدولية تؤكد أهمية مثل هذه الاتفاقيات حول المجاري المائية. الواجب الوطني يحتم أن تتحرك مختلف الجهات سواء علي مستوي وزارة الخارجية أو أجهزة الري ولا يجب أن يقتصر الأمر عليهما خاصة أن هاتين الجهتين قد أعلنتا الطوارئ منذ أن جاءت الأخبار تحمل توقيع بوروندي. يتعين علي أساتذة القانون والخبراء الإسهام بجهودهم في مؤازرة الخارجية والري وتصعيد الموقف وعقد لقاءات وندوات مع الأشقاء من شعوب هذه الدول الإفريقية فهذه الشعوب تتعاطف مع مصر وتكن لها كل التقدير والاحترام. وكانت منذ فترات طويلة تنتظر من الشقيقة الكبري مصر أن تكون إلي جوارهم تمدهم بالمعونات وإقامة المشروعات التي تساعدهم علي الخروج من ضائقة الفقر والمعاناة. علينا أن نتدارك الأمر قبل فوات الأوان. المهمة جد خطيرة.. فهناك أيد خبيثة تلعب في الساحة وتستغل انشغالنا بالأحداث الأخيرة. والعبث علي أشده ولا يخفي علينا أن إسرائيل ليست بعيدة عن هذه الأعمال وتبذل جهوداً في أثيوبيا وتتولي إقامة السدود هناك وتنفيذ مشروعات وناهيك عن الدول الأخري مما يعني أن الكل يشارك في اقتسام مياه النيل والأطماع تريد حرمان مصر من أهم المصادر الحيوية والمحاولات تمضي بكل قوة. ولابد أن تأخذ زمام المبادرة وتتحرك في كل اتجاه. وسط شعوب تلك الدول وتوضيح أننا لا نريد حرمان أي دولة من حقوقها لكن يجب الالتزام بالاتفاقية الدولية مع الأخذ في الاعتبار بأننا لن ندخر جهداً في تقديم يد العون لهؤلاء الأشقاء من أجل تنمية بلادهم وإعداد المشروعات التي تأخذ بأيديهم نحو تحقيق النهضة مع تكافؤ الفرص في الحصول علي الحقوق المشروعة للجميع. كما يتعين علي رجال وزارة الخارجية ومختلف الأجهزة والجهات الفنية المبادرة بإعداد مشروعات لدعم التعاون مع أشقائنا الأفارقة. ولابد من التحرك في كل ركن من هذه الدول وقطع الطريق علي كل من تسول له نفسه المساس بأي حق من حقوقنا التاريخية في مياه نهر النيل الخالد. ان شريان الحياة له دين في أعناقنا فلولاه لافقرت أرضنا وكنا لا نجد الغذاء أو احتياجاتنا من المحاصيل الأخري. يا أبناء مصر انتبهوا.. فالمؤامرات تدبر في الخفاء ضدكم ورغم أنني لست من أنصار لغة التآمر لكنه الواضح بالنسبة لمياه النيل فالتآمر يجري منذ سنوات واستطاع الآخرون أن يسحبوا البساط من تحت أرجلنا. هذا التغافل أو التجاهل ليس في صالح أحد. نهر النيل يتطلب وضع خطة محكمة للتحرك في الفترات المقبلة. ويجب أن ننهي تلك الوقفات وأن تلتقي جهودنا نحو هذا الهدف الأساسي فليس هناك هدف آخر أشد أهمية منه. إننا في أشد الحاجة لاتخاذ خطوات فعالة قبل أن تدخل هذه الاتفاقية حيز التنفيذ. يا شباب مصر مستقبل بلادكم يناديكم إن قطرة المياه أغلي من الذهب. وصدق الله العظيم إذ يقول: "وجعلنا من الماء كل شيء حي" يجب ألا تشغلنا همومنا الداخلية عن نهر الحياة. ولابد من سد الفراغ الذي حدث مما جعل هذه الدول تلجأ إلي هذا الأسلوب. دعونا نترقب وننتظر ماذا أنتم فاعلون.