ليست هناك مشكلة في أن تخرج الملايين إلي ميدان التحرير كل يوم جمعة لتتظاهر سلمياً.. فهذا حقها.. وليست هناك مشكلة في أن تخرج الحكومة أيضا إلي ميدان التحرير لتصلي مع المتظاهرين.. وتستمع إلي مطالبهم.. وتتواصل معهم.. فهذا واجبها.. لكن المشكلة الكبري التي تواجهنا حالياً أن هناك جيوشاً من خفافيش الظلام تنتشر في كل اتجاه لتشكك في كل شيء.. وتشوه كل عمل جاد.. وتفعل كل ما من شأنه الإساءة إلي مصر والمصريين. لقد قدم شباب الثورة نموذجاً حضارياً رائعاً في العمل الجماعي وإنكار الذات والتضحية والحرص علي المصلحة الوطنية والممتلكات العامة والالتزام بالقيم الرفيعة.. وهو ما أبهر العالم وجعل العديد من الزعماء يشيدون بأخلاق الثورة المصرية وقدرات شبابها .. فقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إننا يجب أن نربي أولادنا ليكونوا مثل شباب مصر.. وقال رئيس وزراء ايطاليا: يجب أن ندرس الثورة المصرية لأبنائنا في المدارس.. وقال رئيس النمسا: لأول مرة نري شباباً يتظاهرون ويعتصمون ثم ينظفون الميدان الذي تظاهروا فيه ويجملونه. هذه الصورة الرائعة للثورة المصرية يجري تشويهها حالياً -للأسف- بأعمال وأقوال غير مسئولة يقوم بها خفافيش الظلام من المحرضين والمشككين والكذابين وراكبي الموجة الثورية وكثيرين ممن يبحثون عن أدوار.. وعن مغانم ومكاسب خاصة.. وهؤلاء جميعاً تتناقض أخلاقهم مع أخلاق الثورة الرفيعة. إن شئت الدقة فإن الثورة المصرية العظيمة التي منحتنا الحرية والكرامة تواجه اليوم ثورتين دفعة واحدة.. ثورة مضادة يقودها ويحرض عليها الفاسدون الذين يريدون إعادة عجلة التاريخ إلي الوراء حتي يستردوا مواقعهم القيادية وينهبوا أموال الشعب كما كانوا يفعلون.. وثورة طموحات وأطماع زائدة عن الحد يقودها ويحرض عليها انتهازيون ومشككون وباحثون عن دور.. يريدون أن تظل الحياة في مصر مرتبكة ومتوترة وهائجة حتي يحققوا طموحاتهم وأطماعهم في غيبة القانون والنظام. وتعمل الثورتان بشكل منتظم علي إشعال الحرائق هنا وهناك.. وتأليب فئات الشعب بعضها علي بعض.. حتي تنقلب الأمور رأساً علي عقب.. وتتوقف عجلة الإنتاج.. ويتفرغ الناس للوشايات والاتهامات وإثارة الأحقاد.. فتضيع الثقة تماماً في كل شيء في هذا البلد.. وفي كل الأشخاص.. ويتحول المجتمع المصري إلي مجتمع هش وفوضوي بلا قيم ولا ضوابط.. رغم أن الثورة المباركة كانت في قمة النظام والانضباط. لقد فوجئنا بحريق وزارة الداخلية الذي استهدف تدمير أي وثائق يمكن أن تدين الوزير السابق حبيب العادلي وتكشف رجاله والمتورطين معه.. وصدمنا بجريمة قتل أحد رجال الدين المسيحي ونهب منزله التي استهدفت إشعال الفتنة الطائفية من جديد بعد أن وأدتها ثورة الشباب.. ومازالت تتلاحق دعوات الإضراب والاعتصام في الوزارات والهيئات والمصالح والمصانع والشركات من أجل مطالب فئوية تريد أن تتحقق الآن وفوراً مثل تعيين المؤقتين وزيادة المرتبات والحوافز.. وهي مطالب مشروعة ومستحقة ولكن لا يمكن الاستجابة لها بشكل عشوائي وإنما من خلال لوائح عادلة يتم تطبيقها علي الجميع.. ولا يمكن الاستجابة لها تحت ضغط العنف والتهديد مثلما حدث مع رئيس احدي شركات الغزل والنسيج الذي قتله العمال في مكتبه. وتشهد احدي شركاتنا القومية الكبري. التي يعمل بها أكثر من 35 ألف شخص. حالة من الغليان بسبب شائعات كاذبة ومغرضة.. ومحاولات للوقيعة وإثارة الفوضي.. يقوم بها أناس بلا ضمائر.. يسعون لتصفية حسابات شخصية مع رئيس الشركة بأساليب ووسائل غير أخلاقية.. ولا يهمهم أن ما يفعلونه سيدمر قطاعاً مهما من قطاعات مصر المنتجة والناجحة.. وسيؤثر علي مشروعات عملاقة للشركة بمليارات الجنيهات في الداخل والخارج.. وسيكون ذلك كله بالتأكيد علي حساب العاملين وأسرهم.. وعلي حساب مصر وسمعتها وأمنها واستقرارها. ووصل الأمر إلي حد التشكيك في أداء رجال المجلس الأعلي للقوات المسلحة .. والزعم بأن الرئيس السابق حسني مبارك مازال يدير شئون البلاد من شرم الشيخ.. ويعمل بالتنسيق مع الحكومة من أجل استرداد عرش مصر. وقد رأينا علي شاشات التليفزيون كيف تعامل قادة القوات المسلحة مع هذه الادعاءات بأعلي قدر من ضبط النفس وسعة الصدر.. وكيف استخدموا الأدلة العقلية والمنطقية علي دحض ما يروّج له خفافيش الظلام.. والتأكيد علي أنهم لا يخضعون لأي إملاءات من الداخل أو الخارج.. ولا يستجيبون إلا لما فيه مصلحة الوطن والمواطن.. وأنهم يطلبون من الشعب أن يثق فيهم لكي تتاح لهم فرصة الاستجابة للمطالب المشروعة.. والعمل بشكل منظم وفي هدوء.. حتي نعبر معاً هذه المرحلة الصعبة.. ويتم تسليم الحكم إلي سلطة مدنية منتخبة انتخاباً حراً ونزيهاً من الشعب. وكم كان رائعاً أن يعلن المجلس الأعلي للقوات المسلحة أنه لن يكون له مرشح في الانتخابات الرئاسية القادمة.. فقد قطع الطريق علي كل صاحب ظن سييء.. وأعطانا الأمل في أن الانتخابات الرئاسية القادمة سوف تكون نموذجية.. وستشهد تنافساً حقيقياً بين كافة المرشحين المحتملين.. بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية والفكرية.. فكلهم مواطنون مصريون.. متساوون في الحقوق وفي الواجبات.. والكلمة الأولي والأخيرة ستكون للشعب من خلال انتخابات تجري تحت إشراف قضائي كامل وفعال.. ولا تشوبها شائبة . ويبقي علينا جميعاً أن نتمسك بهذه التأكيدات والتطمينات.. وأن تعطي قادة القوات المسلحة الثقة الكاملة التي يستحقونها.. والتي هم جديرون بها.. فبفضل وعيهم واستنارتهم نجحت ثورتنا المباركة.. وحافظت علي كونها ثورة بيضاء.. لم تغرق في بحار الدم الذي يسبح فيه أشقاؤنا المظلومون في ليبيا. ثم علينا أيضا أن نعمل بكل جد علي إحباط الدعايات الكاذبة في مهدها.. ونقول لخفافيش الظلام ومروّجي الشائعات ومثيري الفتن والمحرضين: اتقوا الله في مصر بلدكم.. واتقوا الله في شعبكم.. وثقوا أن المصريين أذكي من كل حيلكم ومكركم وألاعيبكم.. وسوف نكشف جرائمكم القذرة طال الزمن أم قصر.. حتي تنعم مصر بالأمن والاستقرار.. وتعود الأيدي الطاهرة إلي عملها لتكسب رزقها بالحلال. إشارات * الأصدقاء أحمد زرزور وأحمد حلمي ومحمد حافظ عاتبون عليَّ أنني لم أضع المجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للطفولة والأمومة ضمن الديكورات الزائفة التي طالبت بإزاحتها في مقال الأسبوع الماضي.. أما الأستاذة الكبيرة خيرية البشلاوي فقد أضافت المجلس الأعلي للثقافة.. وكل مجلس أعلي آخر لا يقدم ولا يؤخر. * لا تزال مؤسساتنا الوطنية تعاني من طابور خامس يخرّب ويدمر مقدراتها.. ويعطل إمكاناتها.. وينفذ سياسة الأرض المحروقة.. غير مكترث بأي مساءلة.. فمتي تأتي المساءلة؟! * الأمن يتصدر جدول أعمال الحكومة الجديدة. * نعم .. لا بد من عودة الأمن وبأقصي سرعة.