فرق كبير.. بين حرية الرأي والتعبير وبين التطاول والسب والقذف. وفرق كبير.. بين حرية التصرف وبين الإباحية وارتكاب الأعمال المنافية للآداب وخدش حياء الناس وإيذاء مشاعرهم وتلويث أسماعهم وأبصارهم بفحش الكلام والمنظر. الفرق كبير.. بل وواسع جداً وأوسع من المجرة.. بين الحرية المسئولة والفوضي الهدامة. *** أنت حر.. ومن حقك أن تقول ما شئت بلسانك أو بقلمك أو بريشتك. وأن تعبر عن شكواك وقضاياك وما يجيش في صدرك.. لكنك لست حراً أبداً في أن تنفلت وتسب وتقذف هذا أو تتطاول علي ذاك في قولك وكتاباتك ورسوماتك.. فرسالتك يمكن أن تصل إلي القلوب والعقول بأدب وتحضر. .. وأنت حر فيما تملك.. تبيع وتشتري وتقايض.. لكنك لست حراً أبداً فيما لا تملك بأن تتخلص من حياتك لأن الله هو مالك هذه الحياة وتلك الروح. ولست حراً كذلك في أن تخرب الممتلكات العامة والخاصة وتعتدي علي الأرواح البريئة الآمنة بدعوي أنك غاضب أو ثائر.. فالتخريب والاعتداء والغضب والثورة حتماً تضيع حقوقك بل وتضعك تحت طائلة القانون. .. وأنت حر في حركاتك وسكناتك. في نومك وصحوك. في وقوفك وجلوسك. في اقامتك وترحالك. في أن ترتدي ما شئت وتبدل ثيابك كما تريد في حدود العرف والتقاليد والعادات الأصيلة لشعبنا.. لكنك لست حراً أبداً في أن ترتكب فعلاً منافياً للآداب في الطريق العام بأن تخلع ملابسك مثلاً وتقف في الشارع عارياً تماماً كما ولدتك أمك مثلما فعل المواطن السويسي "المعترض" سعيد قاعود أمام ديوان المحافظة ومديرية الأمن. أو أن تمارس الفحشاء عيني عينك علي قارعة الطريق كالكلاب والقطط وغير ذلك من الأفعال التي يحرمها الشرع ويجرمها القانون.. أي قانون في الدول الملتزمة بالدين والأخلاق. *** الحرية لابد أن تكون مسئولة.. لها حدود لا يجب عبورها ولها أسقف لا يجوز اختراقها. المولي عز وجل خلقنا أحراراً.. وإذا كان الله قد حدد الهدف من خلقنا كأحرار بأن نعبده حيث قال: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" الذاريات - 56. فإن هدفه من تكاثرنا وانتشارنا علي الارض هو أن نتعارف إذ قال: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير" الحجرات - .13 والتعارف يعني المودة والمحبة في تبادل المنافع ويعني الأدب في الخطاب. ويعني الاحترام والحياء في التعامل.. ولا يعني أبداً الكراهية والبغضاء والتحريض علي الإيذاء والفتنة والإضرار بالغير والتطاول واللعن وقلة الأدب.. و.. و.. والفوضي الهدامة. *** للأسف الشديد.. نري اليوم نماذج خلطت كل الأوراق بعضها ببعض.. الحرية بالفوضي. والرأي بالتطاول. والشكوي بالتخريب.. والخاسر في هذه المعادلات غير السوية هو المجتمع نفسه. لذا.. فإنني أحذر بأشد عبارات التحذير هؤلاء الفوضويين وأطالبهم بأن يثوبوا إلي رشدهم ويتعقلوا ويفهموا معني الحرية المسئولة التي تصون حقوقهم وحقوق المجتمع حتي لا يضيروا ولا يضاروا. وليعلموا.. أن لكل إنسان طاقة.. وإذا تحمل انفلاتهم البعض بعض الوقت فلن يتحمله الكل كل الوقت. ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد.