لا تقتلوهم باليأس عندما يصاب شاب في مقتبل العمر المفروض فيه أن يكون شعلة من الأمل والتفاؤل بالإحباط ويصل به الأمر إلي حد التخلص من حياته شنقاً. فإنه يدق ناقوس الخطر للمجتمع كله. فاليأس هو أخطر فيروس يمكن أن ينخر في بنيان الوطن. "مصطفي" الشاب البسيط ابن الخامسة والعشرين لم يكن مهتماً بالسياسة ويعتبرها رفاهية لا تتناسب مع ظروفه الصعبة لأنه يعمل من أول ضوء للنهار ولا يعود إلا آخر اليوم منهك القوي يستريح قليلا ليعاود الكرة في اليوم التالي. استمر علي هذا المنوال الروتيني دون أي تغيير حتي قرر اتمام نصف دينه. ولم تسعه الدنيا من الفرح عندما وافقت أسرة محبوبته علي الخطبة ليعيش أجمل لحظات حياته.. لكنه لأول مرة يجد نفسه جزءاً من المعادلة السياسية بعد أن انحسرت فرص العمل أمامه خاصة وأنه عامل باليومية. بدأت الضغوط تحاصره ما بين أسرة خطيبته التي تلاحقه بالتلميح تارة وبالتصريح تارة أخري متساءلة عن الخطوات التي اتخذها استعدادا للزفاف وبين الإحباط الذي أصابه من "قلة الشغل" فأصبح يعمل يوماً ويجلس عشرة. ألقيت فوق رأسه هموم الدنيا وفي لحظة استحوذ عليه الشيطان قرر أن يودع مشاكله دفعة واحدة بالتخلص من حياته لعله يستريح وترك خطابين.. الأول لوالده ووالدته يطلب منهما الدعاء وأن يسامحانه علي ما فعل. والثاني يعتذر فيه لخطيبته التي أحبها بجنون. ولم ينس الاعتذار لصاحب العمل. هذا ملخص قصة "مصطفي" الذي تم العثور علي جثته في منزل تحت الإنشاء بالقاهرة الجديدة.. والسؤال: كم بمصر من "مصطفي"؟!.. وهل ما حدث يمثل حالة فردية أم يوجد آلاف مثله وربما أكثر أسودت الدنيا في وجوههم وبدأت تلاحقهم الديون بعد أن توقفت مصادر أرزاقهم بسبب العنف المتواصل بطول البلاد وعرضها؟! وهل هناك فرق بين قتل الناس في الحوادث براً وبحراً وجواً وبين تركهم فريسة لليأس والاحباط واغلاق نوافذ الأمل في وجوههم؟! دماء أبنائنا في رقبة الجميع دون استثناء.. لا فرق بين أغلبية ومعارضة أو حتي إعلام. ففي غمرة المنافسة والصراع تجاهل الفرقاء قطاعاً كبيراً من الشعب ينتظر رزقه يوماً بيوم. ومع حالة الكساد والفوضي التي نعيشها لا تنزعجوا إذا انضم آخرون إلي خانة المنتحرين. يا من تملأون الدنيا ضجيحاً علي شاشات الفضائيات ارحموا أبناءنا من صراعكم المتواصل.. علموهم الأمل.. أيقظوا فيهم روح الإقدام والمثابرة وعدم اليأس وبشروهم بمستقبل أفضل بدلاً من سياسة إحراق الحرث والنسل التي تقود البلاد إلي مستقبل مظلم لا يعلمه إلا الله. تغريدة: إذا كانت ابتسامتك في وجه أخيك صدقة. فلماذا يلقي كل منا الآخر بوجه عبوس.. وإلي متي يظل المرضي بقصر النظر يرون التسامح ضعفاً والغلظة وسوء الأدب من مقومات البطولة؟!.