الرزق في البكور.. هذه مقولة عرفناها عن آبائنا وأجدادنا.. وكان أصحاب المحلات علي اختلاف نشاطاتهم يبادرون بفتح محلاتهم منذ السابعة صباحا وربما قبل ذلك.. وكانوا يبدأون عملهم بعبارة.. "يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم.. اللهم ارزقنا وأنت خير الرازقين". هكذا توارثنا نحن أبناء الجيل القديم هذا الأسلوب في الحياة وتعودناه حتي جدت في الأمور أمور وتغيرت أشياء كثيرة في حياتنا. ولم يعد الحلاق أو المكوجي أو الجزار أو البقال يفتح محله قبل العاشرة صباحا وأحيانا حتي بعد الظهر وعوضوا ذلك بالسهر ليلا وحتي ساعة متأخرة.. ونسينا ساعة البكور التي تربينا عليها. الحكومة طرحت مبادرة لغلق المحلات التجارية في الساعة العاشرة مساء وسمحت للمطاعم وبعض المحلات الاخري ذات النشاط الترفيهي والسياحي بتأخير غلق المحلات الخاصة بهم حتي منتصف الليل. وهنا ثارت ثائرة أصحاب المحلات ومعهم رئيس وأعضاء الغرفة التجارية. وطالبوا الحكومة بالتراجع عن هذا القرار. وقرروا تحدي الحكومة. والقيام بمظاهرات واحتجاجات حتي تنصاع لمطالبهم.. والحكومة من جانبها بدأت تمسك العصا من الوسط وتعدل في المواعيد علي حسب الانشطة.. لكنها مصرة علي تنفيذ قرارها. الرئيس محمد مرسي يبدو أنه متحمس ومقتنع بقرار الحكومة التي تحتج أو تبرر غلق المحلات مبكرا بتوفير الطاقة الكهربائية والحد من تزايد الاستهلاك حتي لا تحدث أزمات جديدة من انقطاع التيار.. بينما يرد التجار بأن غلق المحلات مبكرا سيزيد من نسبة البطالة في مصر والتي تمثل أكبر المشكلات أمام الحكومة الحالية كما كان عليه الحال في الحكومات السابقة. السيد الرئيس أراد اقناع أصحاب المحلات بتنفيذ قرار الغلق المبكر فدخل إليهم من مدخل ديني فربط بين السعة في الرزق وبين صلاة الفجر.. وقال في كلمة له عقب أدائه صلاة الجمعة في مسجد الفاروق بالتجمع الخامس: ان من يسهر إلي الساعة الثانية بعد منتصف الليل. ولا يصلي الفجر لن يرزقه الله.. في إشارة منه الي من يعترضون علي غلق المحال في العاشرة مساء. الرئيس أكد في كلامه علي العمل والانتاج. وطالب الشعب بأن يثق أن الله سيرزقه طالما يعمل ويجتهد ولا يلقي بالا لمن يعطل العمل.. لأن هذه أمور مقصودة!! لا يختلف أحد علي دعوة الرئيس للشعب بأن يعمل ويجد ويجتهد.. فهذا المطلب هو الآن أكثر ضرورة من أي وقت سبق.. ولا يختلف أحد أن الحرص علي صلاة الفجر هو دعوة لنيل رضا الله سبحانه وتعالي. وكل عمل صالح يؤديه الانسان في حياته ويلتزم فيه بأوامر الدين وينتهي عن نواهيه هو زاده ليوم نقف فيه جميعا للحساب. لكن التأكيد من الرئيس علي ربط صلاة الفجر بالرزق.. وقوله قولا قاطعا: إن من يسهر إلي الساعة الثانية بعد منتصف الليل ولا يصلي الفجر لن يرزقه الله.. فهذا التأكيد مخالف لسنن الله ونواميسه في هذه الحياة الدنيا.. ولو كان الله سبحانه قد ربط الرزق بصلاة الفجر لما رزق الكفار والملحدين وغيرهم من الملل الأخري.. ولما أصبح الملياردير أوناسيس أغني رجل في العالم.. ومن بعده بيل جيتس.. وفورد وغيرهم من أغنياء أمريكا.. فهؤلاء وغيرهم الكثيرون لم يصلوا الفجر ومع ذلك رزقهم الله رزقا واسعا بلا حدود. هناك حديث شريف مرو عن رسول الله صلي الله عليه وسلم معناه: "لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقي الكافر منها شربة ماء". نحن نقدر للرئيس مرسي دعوته الطيبة للعمل الصالح ونياته الحسنة في حث المواطنين علي الاقتراب من الله لأنه كلما اقتربنا من رب العزة زادنا عزة وكرامة.. لكن لابد أن نؤكد علي حقيقة ثابتة تقول: الله خلق الانسان وقدر له رزقه قبل أن يخلقه سواء استيقظ لصلاة الفجر أم لم يستيقظ.