سبق وأن شرحت في مقال ماض لي موضوع التميز وقلت أن التميز معناه الحقيقي هو الاختلاف والاختلاف قد يكون إلى شيء إيجابي أو سلبي ، وأحياناً ما يراه البعض إيجابياً قد يراه البعض الآخر سلبياً وأشرت أيضاً إلي أن هناك ثلاث أو أربع مجموعات من الاختلاف أو التميز بين الوسط "الحزب" والإخوان "الجماعة" ووعدت بالكتابة عن هذه المجموعات من الاختلاف أو التميز ، و ها أنا ذا أبدأ بإحدى هذه الاختلافات التي قد نعتبرها مجموعة واحدة أو ذات طبيعة واحدة ، ولعل هذا النوع من التميز راجع لتجربة كاتب هذه السطور مع مجموعة من إخواني داخل جماعة الإخوان المسلمين ، حيث طُرحت مبكرا فكرة الوجود القانوني للجماعة ، فحينما فكرنا ملياً في ما هو الشكل التي كانت عليه جماعة الإخوان عند البدء أي منذ مارس عام 1928 حينما قام المؤسس والمرشد الأول الأستاذ حسن البنا بتأسيسها كانت الجماعة تقوم بدور دعوي وعظي إرشادي تربوي ، ثم تحول اهتمام الأستاذ البنا إلى العمل السياسي بعد مرور عشر سنوات أي في المؤتمر العام الخامس عام 1938 ودخلت الجماعة في صدامات سياسية ومعارك متعددة منها ما أدى إلى حل الجماعة أكثر من مرة (مرة عام 1948 قبل اغتيال مرشدها الأول الأستاذ البنا في فبراير 1949 ومرة في أوائل عام 1954 والثالثة في نهاية عام 1954 والتي ما زالت الجماعة تعاني منه حتى الآن) لقد أشرت إلى الدور السياسي الذي أدى إلى صدامات كثيرة للتأكيد على أن الجماعة أصبح لها وظيفتان واحدة دعوية إصلاحية تربوية والثانية سياسية تنافسية ، وكان ذلك وفق دستور عام 1923 ووفق القوانين التي كانت سائدة في ذلك الوقت ولكن بعد "ثورة" أو "حركة" يوليو عام 1952 تغير الدستور مرتان الأولى عام 1956 والثانية عام 1971 وتغيرت معها القوانين المنظمة للعمل العام ، وأصبح هناك شكلان ينظمان الأنشطة التي تقوم بها الجماعة قديماً وهي الجمعية الخيرية التابعة للشئون الاجتماعية ( الوظيفة الدعوية ) والحزب السياسي وفق قانون الأحزاب السياسية ( الوظيفة السياسية ) ولقد وجدنا من الخطورة الجمع بين الوظيفتين في كيان واحد ولذلك سعينا لأن تختار الجماعة إما العمل الدعوي الإصلاحي الإرشادي فتأسس جمعية ( أو تسعى لتأسيسها ) أو تختار الوظيفة السياسية التنافسية فتسعى لتأسيس حزب ، لكن قيادات الجماعة رفضت هذه الاختيارات وقبلت أحياناً فكرة إنشاء حزب ليكون واجهة للجماعة وليس تحولاً كاملاً إلى حزب سياسي , فلذلك كانت تجربة حزب الوسط مختلفة من هذه الناحية حيث اختار المؤسسون التخصص في الوظيفة السياسية فقط وفق آلية الحزب السياسي المدني ووفق الدستور والقانون القائم ، فإذاً أول أشكال الاختلاف أو التميز بين الوسط والإخوان هو طبيعة التشكيل حيث أن الوسط حزب سياسي مدني يقوم بالوظيفة السياسية والإخوان جماعة شاملة تقوم بالوظيفتين معاً ، الأمر الثاني الخاص بهذه المجموعة من الاختلافات وهي تترتب على طبيعة التشكيل ألا وهي العضوية ، فالعضوية في الحزب أساسها المواطنة فالحزب يقبل كل المواطنين المصريين الذين يقبلون مشروعه السياسي وبرنامجه ولوائحه في حين أن العضوية في جماعة الإخوان أساسها الانتماء الديني فهي للمسلمين المتدينين فقط ، وهذه طبيعة الأشياء فالحزب المدني يختلف عن الجماعة الدينية ، وأعود وأؤكد قد يرى هذا البعض إيجابيا وقد يراه البعض الآخر سلبياً ، وطبعا نظرا لطبيعة التشكيل لكل كيان يختلف منهج التثقيف والإعداد لكوادر كل تكوين فتكوين السياسي وتثقيفه وإعداده يختلف كثيراً عن تكوين الداعية أو الواعظ أو المربي ، وبالطبع كل من المهمتين مطلوبتين ولكن الجمع بينهما خطر كما أسلفت والتخصص في كل منها مفيد وبهذا أكون قد عرضت بإيجاز شديد أولى مجموعات الفروق أو التميز بين الوسط "الحزب" والإخوان "الجماعة" وسنستكمل باقي الفروق في المرات القادمة بإذن الله ،،، E. mail : [email protected]