المتابع لمشروع حزب الوسط، يدرك أهمية تميز المشروع عن المشروع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين. فخلفية المؤسسين جاءت من جماعة الإخوان، وتاريخهم في الجماعة أمتد لفترات طويلة. ولكن المشكلة تعقدت أكثر بسبب تكرار السؤال حول العلاقة بين مشروع الحزب وجماعة الإخوان المسلمين. وأتضح عبر السنوات الماضية مدى تركيز المؤسسين على الفصل بين حزب الوسط وجماعة الإخوان المسلمين، لدرجة أن حقيقة وقائع تأسيس الحزب لم يؤرخ لها من المؤسسين. وقد بات واضحا أن مسألة العلاقة بين الحزب والجماعة، ترتبط ارتباطا وثيقا بقضية الموافقة على التأسيس، حيث يفهم ضمنا أن وجود علاقة بين الحزب والجماعة يؤدي إلى رفض الحزب من قبل السلطة الحاكمة، حيث أن قرارات لجنة الأحزاب وأيضا قرارات محكمة الأحزاب تخضع للسلطة التنفيذية في نهاية الأمر. والأمر لا يقف عند حدود موقف السلطة الحاكمة، فقد أتضح في العديد من التصريحات الصادرة عن مؤسسي حزب الوسط، ميل واضح للفصل بين مشروع الحزب وجماعة الإخوان المسلمين، على أساس وجود اختلافات جوهرية في البرنامج السياسي بينهما. ويتضح للمراقب تأثير المعركة التنظيمية التي دارت بين مؤسسي الحزب وقيادات الجماعة على هذا الأمر. فبعد انفصال المؤسسين عن الجماعة، تكون لديهم اتجاه واضح لتأكيد اختلاف رؤيتهم السياسية عن جماعة الإخوان. وأصبح هذا التوجه نوعا من الفصل على أساس فكري بين الحزب والجماعة، ليتحول الفصل التنظيمي إلى انفصال سياسي وفكري. ولقد أثر هذا الموقف على مؤسسي حزب الوسط، بل أثر على جماعة الإخوان المسلمين نفسها. فبعد خروج بعض مؤسسي الوسط من الجماعة واستمرارهم في عملية تأسيس الوسط، عبر المحاولات المتكررة للتأسيس، أصبحت معركة التميز هي العنوان الأساسي للتصريحات والمواجهات، فقد أكد مؤسسي الوسط على تميز مشروعهم عن الجماعة بكل الطرق المتاحة، خاصة في وسائل الإعلام وبين النخب السياسية، ليصبح خروجهم من الجماعة لأسباب فكرية وليست تنظيمية. وفي هذه المعركة التي استمرت سنوات متتالية، كان مؤسسو الوسط يقدمون أنفسهم للإعلام والنخب السياسية، بصورة تم الترحيب بها بوصفها صورة جديدة وايجابية، وفي المقابل كان تمييز مؤسسو الوسط لأنفسهم عن جماعة الإخوان المسلمين، يفهم منه ضمنا أن البرنامج السياسي للجماعة، أو أن مشروعها الدعوي الشامل، بعيد عن ما يقدمه الوسط من رؤى سياسية. ويفهم من هذا ضمنا أن الجماعة على نقيض من حزب الوسط، فإذا كانت صورة الحزب ايجابية لدى الإعلام والنخب السياسية، فإن صورة الجماعة تكون على النقيض من ذلك. وأسهم هذا بلا شك، في طرح صورة سلبية عن المشروع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، بأن أظهرها في موقف الرافض للحزب المدني، أو الرافض لآليات الديمقراطية، أو الرافض للعمل السياسي مع الآخرين من غير أعضاء الجماعة، أي الرافض لكل ما تميز به حزب الوسط. وفي مقابل هذا الموقف، كانت جماعة الإخوان تؤكد على أن مشروع الوسط يخص من تقدم به رسميا، وأن لا علاقة للجماعة بالحزب. وكان هذا الموقف تعبيرا عن حقيقة تنظيمية تتعلق بقرار التقدم رسميا بأوراق الحزب للجنة الأحزاب. وبهذا كانت قيادات الجماعة تسهل على مؤسسي الحزب تحقيق ما أرادوا، ولكن في المقابل أصبح يوجه للجماعة تساؤلات عن موقفهم من مسألة تشكيل حزب، وبرنامجهم السياسي، وعلاقة ذلك بقضية حزب الوسط. وعندما أكد المرشد العام للجماعة علاقة الجماعة بالمشروع، وأنه كان مشروعا للجماعة في البداية، ظهر موقف رافض لهذه التصريحات من قبل مؤسسي الوسط. وظهر هنا تلاحم بين الرغبة في فصل المشروع عن الجماعة لأسباب تتعلق بموقف النظام الحاكم، مع الرغبة في الفصل بين المشروع والجماعة سياسيا، لتأكيد تميز مشروع الحزب. وتظل رسالة مؤسسي الحزب تقوم على تمييز مشروعهم إيجابيا أمام الإعلام والنخب السياسية عن المشروع السياسي للجماعة، وهو ما يكون صورة سلبية عن الجماعة ضمنا. وفي المحصلة النهائية كان استقلال مشروع حزب الوسط عن الجماعة، ومحاولته للتميز عنها، مضرا للمشروع السياسي للجماعة على الأقل إعلاميا وبين النخب السياسية. ولكن الحقيقة تقرأ على خلاف ذلك، فقد كان البرنامج الأول لحزب الوسط تعبيرا عن البرنامج السياسي للجماعة، ووضع من خلال مؤسسات الجماعة. ومعنى هذا ارتباط هذا الطرح السياسي الجديد بالجماعة، ليصبح بذلك معبرا عن مرحلة من مراحل التطور السياسي لها. وتلك الصورة تفترض أن يكون تميز مشروع حزب الوسط بالخلاف مع البرنامج الأول، وتصبح الأفكار المستمرة عبر البرامج الثلاثة للمشروع، والتي تأكدت منذ البرنامج الأول، تمثل مساحة الاتفاق بين مؤسسي حزب الوسط والبرنامج السياسي لجماعة الإخوان المسلمين. والمتابع لمبادرة الإصلاح التي أطلقها المرشد العام للجماعة في 3 مارس 2004، والبرنامج الانتخابي للجماعة في الانتخابات البرلمانية عام2005، يلاحظ مدى الاستمرارية بين هذه الأطروحات السياسية وبين البرنامج الأول لحزب الوسط. والمتابع لبرامج حزب الوسط الثلاث، خاصة البرنامج الثالث، يمكن أيضا أن يعرف مدى التغير الحادث لمشروع الوسط عن برنامجه الأول. فالأساس الأول تمثل في برنامج سياسي واحد، ثم حدثت اختلافات بعد ذلك، ولكن يظل البرنامج الأول تعبيرا عن تصور الجماعة عن الحزب المدني ذو المرجعية الإسلامية. والمشكلة في مدى الفروق بينهما، فإما أن يكون المشروع السياسي للجماعة منغلقا، أو يكون المشروع السياسي للوسط بعيدا عن الإطار الحضاري الإسلامي، أو يتضح أنهما ينتميان لمشروع سياسي واحد!