لم يخطف حزب سياسي الأنظار والتعليقات وحتى الشماتة من جميع الأطراف خلال الأيام الماضية مثلما خطفه "حزب النور" السلفي ، فأنصار السيسي ومعارضوه كلاهما أبدوا سعادة غامرة بخسارة الحزب في الجولة الأولى من الانتخابات ، ورغم أن كثيرا من الأحزاب خسروا ، ولا يوجد أي حزب يمكن القول أنه حقق فوزا لافتا ، باستثناء كتلتي الرئيس والأجهزة : في حب مصر ، ومستقبل وطن ، إلا أن الشماتة في خسارة حزب النور كانت أكثر ، وهو أمر يحتاج إلى تأمل ، أن يجتمع كل هؤلاء الخصوم على كراهية حزب النور . حزب النور ، هو الحزب ذو المرجعية الإسلامية الوحيد الذي أيد الإجراءات التي تمت في أعقاب إطاحة الرئيس الأسبق محمد مرسي ، وكان حاضرا في اجتماع خلع مرسي وبيان 3 يوليو ، وانحاز بشكل كامل تقريبا للفريق عبد الفتاح السيسي ثم المشير ثم الرئيس بعد ذلك ، فأصبح جزءا لا يتجزأ من المنظومة الجديدة الحاكمة وكان له من بين جميع الأحزاب الإسلامية دلال واضح لدى السلطة ، وهذا ما جعله في خصومة مريرة مع قطاع واسع من التيار الإسلامي ، وخاصة الإخوان المسلمين ، على الجانب الآخر كانت هناك مخاوف حقيقية لدى النخبة المدنية وأحزابها ولدى الكنيسة من أن ينجح حزب النور في تحقيق مفاجأة ويمثل كتلة مؤثرة في البرلمان الجديد ، مستغلا الفراغ الذي أحدثه غياب الإخوان ، لأن هذا سيخلط الأوراق كثيرا ، ويفرضه لاعبا أساسيا في صناعة السياسات داخل البرلمان الجديد ، وهو على خلاف أيديولوجي ومصلحي جذريا مع رجال الأعمال والقوى المدنية والكنيسة ، كما أن أحزاب الأجهزة لم تكن تريد أن يزاحمها أحد على "كعكعة" القرب من السلطة بكل توابعها ، وكانت هناك تقديرات مبالغ فيها عن قدرات الحزب ، وربما أعطى بعض قيادات حزب النور انطباعات من هذا النوع للرأي العام مما زاد الهواجس ، لذلك كان انفجار الفرحة طاغيا لدى هؤلاء جميعا من الأداء الضعيف للحزب في الانتخابات وتواضع حصيلته . النور حزب غير مرغوب فيه لدى القطاع الأهم من الدولة العميقة في مصر وأجهزتها المختلفة ، لأنه رغم كل شيء وكل ما قدم محسوب على التيار الإسلامي ، ولعل المشهد كان واضحا في الانتخابات من التحرش الأمني الغريب بممثلي الحزب ومندوبيه وأنصاره ، دون بقية الأحزاب والمرشحين ، كما كانت الحملة الإعلامية القاسية عليه طوال أسابيع ما قبل الانتخابات ممتدة من إعلام رجال الأعمال إلى الإعلام الرسمي للدولة نفسها بصحفه وفضائياته ، ولكن الحزب يحظى برعاية وحماية السيسي شخصيا ، لاعتبارات توازن سياسي ورسائل يحتاجها لتخفيف ضغط معارضيه الإسلاميين عليه وتصويرهم سياساته باعتبارها عدوانا على الإسلام نفسه ، والمفارقة هنا ، أن مصير الحزب ومستقبله مرتبط بوضع النظام الحالي ، فاستمرار المنظومة السياسية الحالية سيقصر عمر الحزب وربما ينهي مسيرته بالكامل خلال وقت قصير ، وقرار حله لن يطول وهو أسهل كثيرا من قرار حل أي حزب آخر ، بينما أي تغيير في المنظومة الحاكمة حاليا يمكن أن يحفظ للحزب فرصة تواجده في الحياة السياسية . لست مع الموجة التي تتحدث عن نهاية الحزب سياسيا بعد أدائه في الانتخابات ، لأن ذلك ما زال سابقا لأوانه ، فهناك مرحلة أخرى من الانتخابات لا يعلم أحد توجهات الناخبين فيها ، وقدرات الحزب في دوائرها ، كما أن الحزب ما زال يملك فرصة الحصول على أربعة وعشرين مقعدا في الجولة الحالية ، سيدخل فيها إعادة ، وأنا أكتب هذه السطور قبل إعلان اللجنة العليا النتائج النهائية للجولة الأولى بشكل رسمي ، حيث لا يعرف الوضع النهائي لقائمة غرب الدلتا التي حقق فيها الحزب تنافسا قويا مع "في حب مصر" ، ورغم ما يتردد عن تفكير الحزب في الانسحاب من الانتخابات احتجاجا على غياب الحيدة ، إلا أني أتصور أن هذه الفرضية غير مطروحة عمليا ، لأن تكاليفها السياسية ستكون عنيفة عليه ، كما أن الحزب لا يملك مساحة كافية تسمح له بفعل ذلك دون عواقب ، كما أن منهج الحزب السياسي أبعد ما يكون عن المواقف الصارمة أو المفصلية أو الثورية . وبشكل عام ، وأيا كانت النتائج التفصيلية للانتخابات الحالية ، وأيا كان نصيب هذا الحزب أو ذاك فيها ، فإنها لن تغير من حقيقة أننا أمام برلمان مطعون في شرعيته ، ولا يمثل غالبية الشعب المصري ، ولا يمثل القوى السياسية الحقيقية والفاعلة فيه ، وأغلب الظن أنه سيكون قصير العمر بدرجة كبيرة .