شهدت الأيام الأخيرة صراعًا مكتومًا داخل جماعة الإخوان المسلمين، عقب ظهور الدكتور محمود غزلان، المتحدث السابق للجماعة، مجددًا، بكتابة مقال أعلن فيه التمسك بالسلمية من قبل الإخوان حاليًا، منتقدًا الدعوة إلى استخدام العنف في التغيير السياسي. المقال الذي أظهر غزلان بعد اختفاء دام قرابة عامين، تبعه حملات نقد كبيرة من قبل أطياف شبابية من الجماعة وخارجها والتي رأت أن غزلان خارج بوصلة الزمن وأن قيادات الجماعة ما زالت تحلم بالماضي، هو الأمر نفسه الذي أفصح عنه عمرو فراج، مؤسس شبكة رصد، بقوة وإن كان الأخير أعلن ذلك بجرأة غير مسبوقة. مقال "غزلان" مفجر الأزمة البداية مع غزلان؛ حيث قال في مقاله الذي نشره موقع «نافذة مصر»، «الجماعة وضعت لنفسها جملة من الثوابت استلهمتها من فهمها للإسلام وألزمت نفسها بها، ومنها ضرورة العمل الجماعي، والتربية منهجنا فى التغيير، والسلمية ونبذ العنف سبيلنا، والالتزام بالشورى ورفض الاستبداد والفردية سواء داخل الجماعة أو خارجها، ورفض تكفير المسلمين». وشدد غزلان على ضرورة التزام كل أعضاء الجماعة بهذا المنهج، قائلا: «من آمن بدعوة الإخوان فلابد أن يلتزم بثوابت الإسلام العامة، ويزيد عليها الالتزام بثوابت الجماعة، ولا يجوز له أن ينكرها أو يخرج عليها». وأشار القيادى الإخوانى إلى رفض الجماعة تكفير أى شخص، موضحًا: «كان التعذيب شديدًا فى سجون عبدالناصر، ما دفع بعض الشباب لتكفير مَن يعذبونهم، إلا أن كبار الإخوان وعلى رأسهم المرشد الثانى حسن الهضيبى، رفضوا هذا الفكر، وكتب كتاب «دعاة لا قضاة» وخير من يقولون بالتكفير بين الرجوع عنه أو الخروج من الجماعة، كما قام بفصل من أصر على ذلك، وقال إن هذا الفكر أشد خطورة على الدعوة من التعذيب والسياط». وفى محاولة لتهدئة أعضاء الجماعة الذين يرون فى السلمية ضعفًا وتمكينًا للنظام السياسى منهم، استشهد غزلان بمقولة مرشد الجماعة الأسبق عمر التلمسانى، «لا نقر القتل لأن قتل ظالم لا يذهب الظلم، ولكن تهيئة الرأى العام وتربية النشء والشباب وطول النفس، هو الذى يذهب بالظلم والظالم إلى الأبد». وتابع غزلان: «الإخوان يعتبرون بتجارب الآخرين فى العالم، والتى تؤكد أن سلمية الشعوب أقوى من السلاح، وأن العنف سبب الهزيمة والزوال، وأمامنا تجارب الجزائر فى التسعينيات، وحماة فى سوريا، وأيلول الأسود فى الأردن، وكلها تثبت فشل استخدام العنف». وأضاف: «الثورة مستمرة حتى النصر، ورغم أن العدوان الإرهابى الدموى الذى يمارسه الانقلابيون الفاشيون قد يدفع بعض الشباب للكفر بالديمقراطية والتطلع لرد العنف بمثله، إلا أن الإخوان ومعهم غالبية الشعب سيصبرون على منهجهم السلمى ويستمرون فى ثورتهم»، حسب قوله. ودعا غزلان «كل قوى الثورة وشبابها الأحرار الصامدين»، إلى التعاون والإصرار على السعى للإسراع بإسقاط الانقلاب، والتوحد على رؤية وطنية واضحة لمستقبل مصر الحرة التى تتسع لجميع أبنائها دون استثناء أو إقصاء». انتقادات شباب الجماعة لغزلان ولم يمر الأمر بشكل طبيعي لكن سرعان ما تناوبت الانتقادات على مقالة غزلان، وهو الأمر الذي رسمه ضياء طارق وهو كاتب إسلامي شاب فى موقع "ن بوست"، قائلًا "من المتوقع أن يقابل المقال بهجوم ونقد لاذع من شباب الجماعة والشباب الإسلامي بصفة عامة الذي تظاهر بسلمية فلم يحصد سوى القتل والاعتقال، وبينما تزداد معاناته يومًا بعد الآخر، فهو يعتقد أن قيادات الحركة خاصة كبار السن منهم في معزل عن موقع الأحداث ويديرون الأمور بعقلية تسببت في وقوع الانقلاب؛ وعليه فمن كان سببًا في المشكلة لن يكون جزءًا من الحل". وتابع: يتبقى أن نعرف إلى من يتوجه الكاتب بهذا المقال؛ هل إلى الصف الثوري بغية انضباط حركته على مقياس السلمية؟ أم إلى المجتمع بهدف التأكيد على نهج الإخوان القريب منه؟ أم إلى الخارج بغية إرضائه كما سيقول البعض؟، وسيعتبر البعض ذلك بأنه ليس سوى سذاجة منقطة النظير وأن العقلية التي تفكر هكذا يمكن لها أن تنجح في مسار إصلاحي لا أن تقود ثورة ضد نظام عسكري، وسيعتبر البعض الآخر ذلك ثباتًا على المبادئ رغم المحن، وبين هذا وذاك سيظل الاختلاف قائمًا. عمرو فراج.. تدوينة جريئة وتراجع سريع لكن كان الرد القاسي ل "عمرو فراج"، الذي كتب فى تدوينة على «الفيسبوك» في إسقاط على الثالوث الإخواني "محمود غزلان ومحمود حسين ومحمود عزت"، «مرة واحد قيادى فى مؤسسة ما.. اسمه (محمود).. كلم واحد هربان تانى اسمه (محمود) إنه يطلع مقال يهاجم فيه أفعال ناس تانيين بتحاول تقوم بثورة إصلاحية وثورة شعبية فى مكان ما.. و(محمود) التانى ده كان له تصريح وقح أيام مجلس الوزراء فى دولة ما بخصوص البنت اللى اتضربت واتعرت فى الشارع». ويتابع: «محمود» الأولانى بعت ل«محمود» تالت هربان ومختفى تماماً عن الساحة بقاله سنتين علشان يقوله الحقنا ولازم تظهر وتبطل أى نتيجة انتخابات أو حاجة تمت فى فترة اختفائك لأن الثورة دى هاتشيلنا فى طريقها لأننا ناس مش نضيفة وتقدر تقول علينا من المرجفين فى المدينة.. الممتع فى الموضوع أن «محمود» الأولانى بيواجه الآن جلسات محاسبة تتهمه باختلاس مالى وشوية حاجات مايصحش عمرو يقولها فى الفيس علشان عيب، وهو حد محترم نسبياً. لم تمر فترة زمنية طويلة بل هي ساعات كانت كفيلة بتصحيح فراج لمساره السياسي في نقد الجماعة فسرعان ما تراجع عن إسقاط التدوينة على شخصيات بعينها وإنما هى بحسب تدوينته الثانية قصة من واقع الخيال، وكتب : «أعتذر للجميع إن كان ما كتبته فى الصباح والذي أوضحت تمامًا أنه لا يمت للواقع بأي صلة.. وفهمه البعض على أنه إسقاط على أشخاص حقيقيين.. يعيشون معنا فى الفيلم القميء اللى كلنا عايشين فيه ده.. أعتذر لهم لو حسوا إن كلامي فيه تجريح لأي شخص هما حسوا إن كلامى جاي عليه». داعمو السيسى: البداية الحقيقية لتصدع الجماعة في السياق نفسه وبعيدًا عن تناول الجماعة للمقال والتدوينة، فإن التيار الآخر القريب من الرئيس عبدالفتاح السيسي استبشر خيرًا بهذا الصراع واعتبره بداية حقيقية لانقسام الجماعة وانشغالها بنفسها بحسب جملة كتبها أحد الكتاب السياسيين الداعمين للرئيس السيسي. وسلط الكاتب الصحفي حمدى رزق، الضوء على الأزمة الأخيرة، وقال مرة واحد إخوانى تطاول على إخوانه، وفسفس على الفيس يسخر من قادتهم المؤتمنين، ويغمز فى ذمتهم، وقبل أن يرتد إليه طرفه، كان يعتذر، ويلتمس العفو، ويمسح ما كتبه، ويبلع لسانه، ويخرس عن الكلام المباح، الإخوان ذوات مقدسة يا هذا. وتابع: إيمان إيه، ووقر إيه، وعمل إيه، عملكم أسود، اللى بيفسفس مبيغطيش دقنه، الفضيحة بجلاجل، محمود حسين، أمين الجماعة، متهم باختلاس أموال الجماعة، ويخضع لتحقيق داخلى، ومحمود غزلان يدلس على الجميع، وينتظرون ظهور الذئب الأحمر محمود عزت لمداراة الفضيحة بسطوته ونفوذه، ياما الدقون تخفى مجون.. إلهى يفضحكم فضيحة الإبل!. فيما اعتبر الكاتب الصحفي عماد الدين حسين، أحد المقربين من الرئيس السيسي، أن هذا الجدل لم يكن مجرد مقال كتبه قيادى بالجماعة محسوب على خيرت الشاطر، ورد غير مسبوق فى الجرأة من قيادى شاب بالجماعة، لكنه ربما يكشف - حسب متابعين لأحوال الجماعة الراهنة - عن كثير من المؤشرات المهمة، وهناك تقدير أن ما حدث مساء السبت يكشف عن مدى التصدع الذى أصاب الجماعة بعد أن نجحت فى إخفاء هذا الأمر بمهارة وجهد كبير منذ 30 يونيو 2013 وحتى الآن.