عَرْضُ تفاصيل العلاقة الجنسية ونقل الصورة مُجسمة تماما كما هى فى الواقع ، ليس عملا فنيا يمكننا أن نطلق على صانعه مبدعا أو فنانا ، إنما هو عمل غريزى مركوز فى فطرة الإنسان يُؤَدى فى الخَفَاء بين ذكر وأنثى فى غرف النوم المحكمة الإغلاق ، وليس للعرض على شاشات السينما وخشبات المسارح . والدعوة إلى الإلحاد والوثنية بوسائط فنية ليس عملا فنيا ، إنما هو استغلال للفن لغرض دينى غايته تشويه الاعتقاد النقى لدى الناس . إذا فالمرفوض فى الفن الإسلامي شيئان : أولا الدعوة للانحراف العقائدى ، وثانيا الترويج للانحراف السلوكى . ويمكننا تبسيط الفكرة فى أن الحرمة لا تقع على الفن بذاته إنما تقع على الانحراف الموجود فى الفن . ومعلوم أن الأصل فى الأشياء الإباحة ، والتحريم لا يقع على أصول الأشياء بل على أجزائها ؛ فتحريم الزنا تحرير للعلاقة بين الرجل والمرأة من القبح الواقع فيها وإبقاء للأصل النظيف من علاقة مشروعة معلنة عن طريق الزواج ، والأمر بغض البصر ليس تحريما لأصل النظر ، إنما فقط تحريم للنظرة الخائنة ، وتحريم فحش القول ليس تحريما لأصل الكلام إنما تحرير له من القبح الذى لحق به .. ولذلك عندما سئل الشيخ محمد عبده عن الفن وقال سائله : إن الصورة مظنة الشرك ، قال رحمه الله : إن لسانك أيضا مظنة الكذب فهل يجب ربطه مع أنه يجوز أن يصدق كما يجوز أن يكذب ؟! والجمال هو الأصل والقبح طارئ عليه وخروج عن منهجه ، والخير هو الأصل والشرور طارئة عليه ، وتحريم ورفض الشر والقبح إبقاء لأصل الخير والجمال . فاذا نظفنا الفن مما لحق به من دعوة للبعد عن منهج الخالق سبحانه وتعالى ، ومن مجون وخمر وإسفاف وانحطاط أخلاقى وعُرى ، فإننا بذلك لا نحرمه ، إنما نحرره لأن القاعدة الأصولية التى تقول بأن الأصل فى الأشياء الإباحة تقْضى بأن الحرام الطارئ على الأصل لا يُحَرٍم الحلال ، وما طرأ على الفن من انحرافات لا تُحرم أصل الفن . ويبقى المحرم والمرفوض فى الفن هو الجزء المتعلق بالدعوة للوثنية ولذلك حطم الرسول صلى الله عليه وسلم الوثن - وهو عمل فنى منحوت – المستخدم فى عبادة غير الله ، وأيضا فيما يتعلق بإثارة الغرائز وعرض الأوضاع والمشاهد الداعية للإباحية والرذيلة والهبوط الأخلاقى . والغاية من ذلك هى تقويم الاعوجاج وتعديل مسيرة الفن عن خط الانحراف الذى انزلق فيه ، ليعود إلى مساره الطبيعى ، وأيضا لحماية الفن من استغلال رجال الدين والكهنوت ، ومن استغلاله عن طريق بعض التجار والمستثمرين ليتحول إلى وسيلة لكسب الأموال الطائلة بابتذال جسد الإنسان وامتهان كرامة المرأة ، خدمةً لمصالح شخصية ضيقة ، على حساب رسالة الفن الغالية وأهدافه المنشودة ، ضاربين بعرض الحائط مشاعر الإنسان وكرامته وأحاسيسه ومبادئه وقيمه وأخلاقه . لذلك قلنا لمن يدعون تحريم الإسلام للفن على إطلاقه : إن الإسلام لا يحرم الفن إنما يحرره من أسر الكهنوت ويخرج به من بين جدران المعابد والكنائس والأديرة إلى الحياة الواسعة والكون الرحب الفسيح ، ويخرج به من غرف النوم المغلقة إلى رحبة المشاعر الإنسانية الراقية التى لا تتوقف عند حدود الجسد . ويمكننا هنا أن نتوقف عند نهى الرسول صلى الله عليه وسلم فى البداية عن زيارة المقابر حيث كان المسلمون قريبى عهد بجاهلية ، لذا كان النهى لأنها مظنة فتنة . وبعد رسوخ الإيمان فى القلوب سمح لهم الرسول بزيارتها فهى تروى الرضا بقضاء الله وترقق القلوب القاسية وتذكر بالآخرة ، فلا عجب هنا بين النهى والإباحة ؛ فالشئ الواحد يمكن أن يكون فى زمن معين فتنة ، ثم يصبح فى زمن آخر عبرة . وكذلك الفن ، فلا يمنعنا طول استخدامه فى الانحراف والسقوط ، أن نستخدمه اليوم فى العلو واليقظة والنهضة وبناء أجيال قائدة ، بدلا من تلك الراقدة الراكدة . وللحديث بقية إن شاء الله .