فى يوم واحد، وبالصدفة، وهو يوم الاثنين الماضى، قرأت الحوار الممتاز الذى أجراه الزميل أحمد الجزار مع فنان السينما الفلسطينى العالمى الكبير إيليا سليمان، عند زيارته للقاهرة لحضور عرض فيلمه «الزمن الباقى» فى البانوراما الثانية للسينما الأوروبية، وقرأت الكتاب الأول للناقدة السينمائية منى الغازى «قراءة عبر الشاشة»، والذى قدمه الناقد الكبير والصديق العزيز القديم صبحى شفيق، أحد مؤسسى النقد السينمائى المصرى الحديث. فى الحوار قال سليمان: «إسرائيل تريد أن تخفى هويتنا الفلسطينية باعتبارنا عرب 48، ويساعدها على ذلك غباء وجهل نقاد العالم العربى»، وفى الكتاب نسبت منى الغازى إلى فنان السينما المصرى الكبير داوود عبدالسيد قوله: «لا يوجد نقد فى مصر، وما هو موجود يتلخص فى نقد صحفى غير متخصص، إما جاهل وإما فاسد فى غالبيته». وقد علق أحد القراء فى اليوم التالى وأرسل يقول: هل مازلت ترى أن فيلم «الزمن الباقى» تحفة فنية بعد أن وصف مخرجه كل نقاد السينما العرب بالجهل والغباء وقمت بالرد عليه من دون تردد نعم فيلم «الزمن الباقى» تحفة فنية لأن أى عمل فنى ما إن يتم ويطبع أو يعرض لا تصبح له أى علاقة مع صناعه، وإنما يستقل بذاته إلى الأبد، وبغض النظر عن مستواه هذا هو رأيى فى الفيلم، وهذا هو رأى إيليا سليمان فى نقاد السينما العرب، وكل منا حر فى رأيه، وكل إنسان حيث يضع نفسه. أما رأى داوود عبدالسيد، والذى قرأته لأول مرة فى الكتاب المذكور، فلا يغير من رأيى الذى سبق ونشرته أكثر من مرة عن أننا فى السينما المصرية فى التسعينيات على الأقل نعيش «عصر داوود عبدالسيد»، واتباعاً لنفس القاعدة التى أؤمن بها فى فلسفة الجمال عن استقلال العمل الفنى عن صاحبه، وقد ذهبت مثلاً العبارة التى قالها ناقد إيطالى كبير عن المايسترو توسكانينى: «إننى أرفع القبعة لتوسكانينى المايسترو، وأخلع الحذاء لتوسكانينى الإنسان»! كل الأحكام المطلقة هى فاسدة بحكم أنها مطلقة، والعلاقة بين الناقد وصانع العمل الفنى، ولا أقول المبدع، فليس كل من يصنع عملاً فنياً يكون مبدعاً، وإنما وصف المبدع تقييم نقدى، ليست صبيانية على طريقة تلاميذ الابتدائى: «أنتم تقيمون أفلامنا ونحن أيضاً نقيم نقدكم»، فالنقد ليس مباراة بين الناقد وصانع العمل، وعلى كل منهما إثبات من الذى ينتصر، بل إن الناقد لا يتوجه بعمله النقدى إلى صناع العمل الفنى، ولا يعنيه رأيهم فى نقده، وإنما يتوجه به إلى جمهورهم من القراء، أو كما قال سارتر النقد لقاء بين ثلاث حريات: حرية الفنان وحرية الناقد وحرية المتلقى. [email protected]