قال الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" إن هناك أُناسًا وضعوا على وجوههم قناع العلماء، هؤلاء سقطت أقنعتهم، وظهرت حقيقتهم للجميع وهم لازالوا على قيد الحياة، ظهرت حقيقتهم هم ومن يعتمدون عليهم ويثقون بهم". جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها الرئيس التركي مساء اليوم في مدينة "قونيا" وسط البلاد، في احتفالية "شبِ عروس"، وتعني ليلة العرس باللغة الفارسية، التي تنظمها تركيا في هذا التوقيت من كل عام على 10 أيام، تنتهي في ال17 من كانون الأول/ديسمبر الجاري، احتفالا بالذكرى ال 740 لوفاة كبير المتصوفين في العالم الإسلامي، جلال الدين الرومي، المعروف ب"مولانا". وتابع الرئيس التركي قائلًا: "لقد كان مولانا محقًا حينما حذرنا من أناس يدّعون العلم بقوله: هناك علماء لا يمكن أن ننساهم أو ننسى مؤلفاتهم مهما مضى على موتهم من قرون وأزمان غابرة، وهناك أُناس آخرون وضعوا على وجوههم قناع العلماء، قد سقطت أقنعتهم، وظهرت حقيقتهم للجميع وهم لازالوا على قيد الحياة، ظهرت حقيقتهم هم ومن يعتمدون عليهم ويثقون بهم". وأضاف "أردوغان" قائلًا: "ومن ثم أقول من لا يصغي لهذه النصيحة، ويمشون وراء الصنف الثاني من هؤلاء العلماء، سيتعرضون لخيبة أمل كبيرة، وكل من ينتظرون المدد من هؤلاء العلماء، ويؤمنون بمشاريع الفتنة الخاصة بهم، سيلقون نفس المصير في خيبة الرجاء". وأكد الرئيس التركي أنه "ليس بمقدور أي شخص سواء أكان من الداخل أو من الخارج، أن يدمر أو يستنزف هذا الشعب الذي اعتمد على ربه، وتوكل عليه"، مشيرًا إلى أن الجميع سيدرك عاجلًا أم آجلًا من هو العدو ومن هو الصديق، ومن يضمر في قلبه الحب، ومن يضمر في قلبه الحقد والخيانة، كل هذه الأمور ستتضح للعيان". وتطرق "أردوغان" إلى الأوصاف التي خلعها جلال الدين الرومي" على الزعماء الدينيين الذين يتلونون، ويضمرون خلاف ما يظهرون، واصفًا هذا النوع من العلماء ب"المزيفين"، مضيفًا: "لقد كان مولانا محقا في أوصافه لهذه الطائفة". وطالب الرئيس التركي كافة أطياف الشعب، بتعزيز أواصر الترابط والأخوة فيما بينهم، والحذر حيال رجال الدين المتخفين وراء أقنعة حتى لا تتكشف حقيقتهم، مشيرًا إلى أن "الشعب التركي على مدار التاريخ، وقف صامدًا تجاه أي هجمات استهدفت شق صفه". وأكد "أردوغان" إصرارهم على تأسيس دولة تركية جديدة قائمة على أسس قوية ومتينة، مضيفًا: "نحن نستعد لربيع جديد، نستعد لانتفاضة جديدة، هذا الربيع هو ربيع الأخوة، ربيع التكافل والتضامن، ربيع يقضي على كافة الخلافات القديمة، ويمحي الظلمات ويجعلها نورًا". جلال الدين الرومي وأشاد الرئيس التركي بالعالم الصوفي "جلال الدين الرومي"، وغيره من العلماء الأتراك الذين قدموا خدمات جليلة، وأثار عظيمة للأمة التركية على مر التاريخ، وتابع قائًلا: "جلال الدين الرومي لازال حيًا باقيًا بيننا بما تركه من آثار خالدة، لازالت ذكراه طيبة بيننا رغم مرور نحو سبعة قرون على رحيله". وأضاف: "جلال الدين الرومي ليس مجرد إنسان خلف ورائه آثارًا مكتوبة، وأفكارًا لا تنطفئ، بل هو إنسان ترك آثارًا ملئها العشق والحب، ترك آثارًا استلهمها من الحب، لذلك نحن يمكننا أن نحافظ على أجواء المحبة والأخوة بيننا جميعا، إذا ما استلهمنا الحب من تلك الآثار". ومولانا جلال الدين الرومي، من أهم المتصوفين في التاريخ الإسلامي، حيث أنشأ طريقة صوفية عرفت بالمولوية، وكتب كثيرًا من الأشعار، وأسس للمذهب المثنوي في الشعر، وكتب مئات الآلاف من أبيات الشعر عن العشق والفلسفة. ولد الرومي في مدينة بلخ بخراسان، في 30 أيلول/سبتمبر 1207، ولقب بسلطان العارفين لما له من سعة في المعرفة والعلم، استقر في قونيا حتى وفاته في 17 كانون الأول/ديسمبر 1273، بعد أن تنقل طالبًا العلم في عدد من المدن أهمها دمشق. وتأثر جلال الدين الرومى، ب"شمس الدين التبريزي"، الذي تلقى العلم على يديه، كما أثر فيه الشاعر الفارسي "فريد الدين العطار"، الذي أهداه نسخة من ديوانه "أسرار نامة" والذي يعني "كتاب الأسرار"، كما تتلمذ فترة على يد المتصوف العربي الشهير، "محي الدين بن عربي". وكان جلال الدين الرومى مثالًا عظيمًا للتسامح، متّبعًا تعاليم الدين، وأُحيط بأشخاص من الديانات والملل الأخرى، وضرب مثاًلا للتسامح معهم، وتقبلًا لآرائهم وأفكارهم، وكان كل من يتبع مذهبه يرى أن كل الديانات خير وكلها حقيقية. ويصادف اليوم وفاة الرومي في مدينة قونيا، وفي كل عام تقام احتفالات تمتد لعشرة أيام إحياءً لذكرى وفاة الرومي، فيما يعرف "شبِ عروس" أي ليلة العرس بالفارسية، والتي كان ينتظرها الرومي ليعود إلى الذات الإلهية وفق منظور تصوفي. وإلى جانب الرئيس التركي وعقيلته "أمينة أردوغان" شارك في احتفالية اليوم رئيس الوزراء "أحمد داود أوغلو"، وعقيلته "سارة داود أوغلو"، والنائب الأول لجمهورية "زانزيبار" "سيف شريف حماد"، ورئيس وزراء تشاد "كالزوبو باهيمي ديبو"، فضلًا عن زعيم المعارضة التركية "كمال قلجدار أوغلو" إلى جانب عدد من الوزراء والمسؤولين رفيعي المستوى في البلاد، وأعداد غفيرة من المواطنين.