الثواب والعقاب، نعم عزيزي القارئ الثواب والعقاب هما من الوسائل الهامة في تحقيق العدل، والردع والإنضباط، فحين خلق الله تعالي الإنسان وأرسل الرسل وشرَع لنا سبل التعايش، أخبرنا بأن جناته ستكون للمحسنين والمتقين، وأن جهنم أعدت للكافرين والظالمين والفاسدين، وعلي الرغم من انه تعالي في ملكوته هو الغني عن عذاب عباده و رحمته وسعت كل شئ، ولكنه جعل النار كي لا تتحول الدنيا لشريعة الغاب فيقتل القوي الضعيف، ويتغول الغني علي الفقير، لذا جعل السعير للمعتدين. ولشديد الاسي والاسف والحسرة أيضا فإن مبدأ الثواب والعقاب -وعلي رغم وجوده في شريعتنا وتشريعاتنا وقوانيننا- إلا أنه لا يطبق علي الإطلاق في كافة مؤسساتنا، ويطبق بدلا منه مبدأ الإستحلال، والإستحمار أحيانا، فكل موظفي الدولة يحصلون علي تقدير ممتاز، ولا يستطيع رئيس أي مؤسسة كائنا من كان أن يمنح أي عامل أو موظف تقدير جيد جدا، علي الرغم من أن تقدير جيد جدا يعتبر تقديرا رائعا مقارنة بحالنا المزري وحالة المؤسسات المهترئة والتي تغوض في مستنقع الفساد حتي النخاع، فلا يتستطيع رئيس المؤسسة أن يمنح الموظف تقدير جد جدا إذا كان تقديره السابق ممتاز إلا إذا وقع عليه جزاء بعد تحويله للتحقيق، وكل مؤسسات الدولة لا ترقي إلي الجيد جدا أو الجيد أو حتي المقبول , فكل موظفي الدولة يحصلون علي ممتاز وإن قصروا في آداء مهام وظائفهم، وإن إرتشوا وسرقوا وإختلسوا وأهدروا المال العام، وكما قيل في المثل الشعبي، "المال السايب يعلم العفة" عفوا يعلم السرقة، ولكن المال السايب لا يعلم السرقة فقط بل التهليب والسلب والنهب. حدثني رئيس مدير أحدي شركات القطاع العام الكبري إنه إكتشف في مؤسسته بعض الموظفين الذين يحصلون علي مرتبات وهم ماكثون في بيوتهم وفي أعمالهم الخاصة منذ سنوات عديدة، بحجة المرض، وذلك عن طريق الاجازات المرضية والتقارير الغير الصحية المضروبة التي نعرف جميعا كيف يحصل عليها مثل هؤلاء، وقال بأن بعضهم يحصل علي راتب تصل إلي أكثر من عشرة الآف جنيه شهريا، وأردف بأن هذا الراتب أكبر من راتبه الشخصي، فما كان منه إلا أن قام بفصل أكثر من عشرين من هذا الفصيل، وطالب مدير المؤسسة بعضهم برد المبالغ التي حصلوا عليها بدون وجه حق، والتي وصلت لمبلغ ربعمائة الف جنيه لموظف واحد، تخيل.. ربعمائة ألف جنيه.. أرأيت مثل هذا الإستحلال؟ أرأيت كم الفساد؟ أرأيت كيف وصل الحال بمن امن العقوبة، وإساءة، وقلة، وإنعدام الادب؟ مثل هذا لا يحدث في بلاد الواق واق، فالفساد في بلادنا حاصل علي علامة الايزو أو يمكنك القول بأنه ماركة مسجلة لا يمكن أن ينافسنا أو يبارينا فيه أحد.. وهذا عامل في مؤسستي لا يعمل لظروفه الصحية، أقام الدنيا ولم يقعدها لأن بعض العمال من الذين يكدون طوال اليوم قد حصلوا علي مبلغ صغير إضافي نظير أعمال قاموا بها دون مشاركته، والطريف أنه نظير ذلك حصل علي تعاطف الكثير بالإضافة إلي مبالغ اكبر من التي حصل عليها العمال الذين تعبوا وكدوا من ذوي القلوب الرقيقة. في معظم مؤسسات بلادي، لا ثواب ولا عقاب، فمن لا يعمل لا يخطئ وبالتالي لا يعاقب، ومن يفني عمره في عمله لا يٌقدر، بل علي النقيض من هذا قد يعاقب، ومن يسلك خط الإعوجاج تجد من يدافع عنه ويبرر له أفعاله. البداية الحقيقية لنهضة بلدي تتحقق في تطبيق مبدأ الثواب والعقاب، وهذا لن يتأتي إلا بالبحث عن قيادات حقيقة في كافة المؤسسات يكون لديها القدرة علي إحداث التغيير الجذري بقوة القانون الذي غالبا لا يفعل، وإن تم تفعيله فلا يكون إلا علي الغلابة الذين لا ظهر ولا ظهير لهم، الثواب والعقاب علي الكافة الغني قبل الفقير، والوزير قبل الخفير هما السبيل للتوجه نحو المستقبل الذي نحلم به.
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.