أهم ما تحتاجه مصر لتحقيق أهداف الثورة حتى يشعر المواطن العادي بالتغيير وأن هناك فرقا بين مصر بعد ثورة 25 يناير عما قبلها هو ضرورة تحديث وتثوير الإدارة المصرية وتغيير نمط العمل التقليدي والروتيني في دواوين الحكومة وزيادة معدل الإنتاج للموظف المصري الذي يعد من أدنى المستويات عالميا نتيجة لتكدس الموظفين في الدواوين الحكومية وعدم تطبيق نظم إدارة حديثة وتطوير قدرات العاملين بما يؤدي لاستفادة حقيقية من أوقاتهم المهدرة في ثرثرة فارغة حتى ينقضي وقت العمل فينصرفون دون أن يكون قد أنتج شيئا مفيدا ولهذا لابد أن يكون هناك مقياس حقيقي لإنتاج العامل المصري بصفة مستمرة أسبوعيا وشهريا وبناء عليه تطبق سياسة الثواب والعقاب. وهذا الروتين الحكومي متوارث في الإدارة المصرية منذ عقود طويلة حتى أصبحت عبارات مثل فوت علينا بكرة يا سيد وغيرها من العبارات المأثورة في دولاب العمل اليومي في الدواوين المصرية والتي تدل على عدم انتهاء أعمال المواطنين وتأخر الخدمة المطلوبة للمواطن المصري أمرا معتادا على حين إذا ذهب المواطن لدولة أخرى عربية أو أجنبية لانجاز عمل تنتهي مصلحته في لحظات لأنهم تخلصوا من روتين العمل والعامل يسال عن عمله بصفة مستمرة ماذا أنجز ولماذا تأخر في الانجاز ويترتب على ذلك ثواب وعقاب صحيح أن راتب الموظف المصري متدني جدا مقارنة براتب زميله في دولة أخرى في حجم مصر كانت تمر بنفس ظروفنا أو أسوأ كتركيا أو ماليزيا ولكنها بعد التحديث والتنمية التي قادها مواطنون أصحاب رؤية وفكر استطاع دخل الموظف أن يرتفع أضعاف ما كان يحصل عليه وحدثت ثورة تنمية حقيقية قامت أولا وأخيرا على العلم ومعرفة مكانته في نهضة الدول فرفعوا ميزانية البحث العلمي وكرموا العلماء بزيادة رواتبهم ومنحهم منح تفرغ علمي ومكافآت تشجيعية للإبداع والابتكار في مجال العلوم والفنون. إن ميزانية الصناديق الخاصة بمصر تزيد على تريليون جنيه مصري حسب بعض التقديرات وهي عبارة عن مال عام سايب في يد رئيس المؤسسة التي يغرف منها لنفسه ما يشاء ويكافئ من يهوى دون ضوابط بحيث بلغت مكافأة رئيس المؤسسة من مؤسسات القطاع العام كالكهرباء والماء والصرف الصحي والجامعات الحكومية والصحف القومية ومديري الأمن وسكرتيري عام المحافظات مئات الألوف من الجنيهات المصرية شهريا وأحيانا تتخطى مليون جنيه وفي قطاعات أخرى كالبنوك العامة والبترول تصل المكافآت لأضعاف أضعاف ذلك دون جهد منه سوى أن النظام العام للمؤسسة يتيح له صرف مكافآت وبدلات تعادل ذلك المرتب الضخم الذي يزيد على راتب أكثر من مائتي زميل له في نفس المؤسسة وربما يزيد عنه في المعرفة والقيادة إن لم يكن بنفس كافأته وقدراته هذه الفوضى ينبغي أن تنتهي إلى غير رجعة وأظن أن الدكتور كمال الجنزوري شخصية قوية وحاسمة ويستطيع بما يمتلك من صلاحيات تخوله من وضع حد لهذه المهزلة وسحب هذه الصناديق لتكون تحت تصرف خزينة الدولة فيسدد منها جزءا كبيرا من ديون مصر الداخلية والخارجية ويضاف جزء إلى موازنة الدولة وكل من يتصرف في ميزانية أي صندوق بما يخل بالمهام الأساسية خصوصا في شكل مكافآت ومنح يتحمل المسئولية القانونية وتوجه له تهمة التبديد والسرقة للمال العام. وفي نفس الوقت تمنح لرؤساء هذه المؤسسات صلاحية اتخاذ القرار لتحقيق المصلحة العامة دون العودة للوزير فمثلا لا يعقل حينما يرغب عميد كلية شراء ماكينة تصوير أو مجموعة أجهزة كمبيوتر أن يرفع الأمر لرئيس الجامعة الذي يرفعه بدوره للوزير ويستغرق الأمر وقتا ربما عدة أشهر ثم تعقد مناقصة ويأتي الطلب متأخرا وبسعر يزيد ربما ضعفين عن سعره الأصلي ثم تصرف مكافآت للجنة المناقصة إلى أخر هذه الألاعيب القديمة والمفضوحة والتي تبدد فيها مئات الملايين من الجنيهات وربما مليارات سنويا في مؤسسات الدولة بحيل وأساليب قديمة ملتوية عفا عليها الزمن وتخطتها دول اقل منا مكانة وقيمة وأحدث منا عمرا وأقل عددا وشأنا نتيجة لوضع حد أدنى وأعلى للأجور لا يزيد عن 20 ضعفا وسمعنا أن المسئولين لدينا يفكرون بوضع فارق يصل إلى 36 ضعفا بين الحدين الأدنى والأعلى واستثناء بعض القطاعات من ذلك بهدف تحفيز القيادات وهي حجة واهية لان القيادات المحبة لبلدها تبذل الجهد وتقنع بدخلها الذي يزيد عن مثيلها من زملاء ربما اقدر منهم وأكثر كفاءة بعشرات وأحيانا مئات كما كان الوضع في النظام السابق والذي لم يتغير حتى الآن. إن اتخاذ قرارات حاسمة وجريئة في هذا الأمر هو ما نأمله من حكومة الإنقاذ برئاسة الدكتور الجنزوري حتى نرى نتيجة ملموسة في التغيير ونشعر أن في مصر ثورة حقيقية غيرت الأوضاع البائسة التي ورثناها بفسادها وقوانينها العفنة وروتينها القاتل المميت بتحقيق ثورة تحديث في نظم الإدارة والقضاء على المركزية الفاسدة وتحقيق حد أدنى وأعلى للأجور يكون حاسم وواضح لا يكرس ثورة مصر في يد فئة بشمت من السرقة ويترك الأغلبية العظمى تتقاتل على الفتات لو نجح الدكتور الجنزوري بفعل ذلك ووضع أسس ثابتة لهذه القضايا بحسم وشفافية يكون فعلا رئيس حكومة إنقاذ للوطن من الفساد والروتين الذي نخر عظام مصر على مدار ما يزيد على ثلاثة عقود كما يكون قد أحسن خاتمته وسطر اسمه بسطور من نور في تاريخ مصر وكلنا أمل في أن ينجح في هذه المهمة ويعبر بنا وبمصر هذه المرحلة الحساسة والخطيرة في تاريخنا بين قديم بالي متراكم يزكم أنوفنا بفساده ورموزه ورجاله وبين جديد نتطلع إليه يقوم على الشفافية وسيادة دولة العدل والقانون حتى تحقق في ظلها أهداف الثورة وهي العدل والحرية والكرامة الإنسانية مصر. منى إن تكن تكن أحسن المنى وإلا فقد عشت بها زمنا رغدا
*رئيس قسم الفلسفة الإسلامية كلية دار العلوم / جامعة الفيوم