مثلت محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك، التي بدأت الأربعاء، حدثًا لم يدر بخد الكثيرين حتى قبل شهور، وبدا الإسلاميون- الذين عانوا كثيرًا تحت حكمه الممتد لنحو 30 عامًا من خلال الزج بهم إلى السجون والمعتقلات الأكثر والتضييق عليهم إلى حد كبير- هم الأكثر ترحيبًا بتلك "اللحظة الفارقة في تاريخ الإنسانية"، فلم يسبق لدولة في العالم أن حاسبت رئيسها المخلوع أمام قاضيه الطبيعي، آملين أن تسهم هذه المحاكمة في إعادة أجواء الهدوء والاستقرار إلى البلاد وتضع حدًا لمرحلة عدم الاستقرار التي تعيشها منذ الإطاحة به، وأن تبرهن على نزاهة القضاء، وأن العدالة في مصر تطول الجميع، ولا يوجد تمييز بين حاكم ومحكوم. وقال الدكتور محمد سعد الكتاتني، الأمين العام لحزب "الحرية والعدالة"، إن محاكمة الرئيس السابق ونجليه علاء وجمال ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي ومساعديه تعتبر حدثًا فريدًا في تاريخ الحياة السياسية المصرية، وانتصارًا جديدًا لإرادة الشعب المصري بعد ثورة 25 يناير 2011، حيث كانت تأتي محاكمة الرئيس السابق ورموز نظامه في صدارة مطالب الثوار منذ الإطاحة بنظام حكمه. ورأى الكتاتني أن مثول مبارك وإلى جواره نجليه ووزير الداخلية السابق وكبار المسئولين الأمنيين داخل قفص المحاكمة ومطالعة ملايين المشاهدين لها عبر شاشة التليفزيون بثت الطمأنينة في نفوس الشعب المصري، بعد أن أعطت دليلاً قويًا على أن العدالة تأخذ مجراها ولن يفلت أي مجرم بجريمته مهما كان منصبه. وآمل أن يستمر السير على هذا النهج القائم على المساواة بين جميع المصريين دون تمييز أمام القضاة، وقال إن ذلك كفيل بمد جسور قوية من الثقة بين الشعب والسلطة الحاكمة في مصر وخاصة خلال هذه الفترة المصيرية في تاريخ مصر، وهي ثقة يجب الدفع في اتجاه ترسيخها؛ لأنها ستكون بوابة إلى البدء بمرحلة البناء والتنمية على كافة الأصعدة وفي جميع المجالات. وأضاف: إذا كان ما حدث بالأمس من محاكمات خطوة جيدة في إطار معاقبة قاتلي المتظاهرين خلال أيام الثورة فإنه من الضروري عدم إفلاتهم من العقاب عن جرائم تزوير الانتخابات وإفساد الحياة السياسية والاقتصادية في مصر خلال العقود الماضية، حيث لا تقل هذه الجرائم في خطورتها عن جرائم القتل أو نهب الأموال. بدوره، وصف الدكتور صفوت عبد الغني عضو مجلس شوري "الجماعة الإسلامية" والذي أمضى سنوات طويلة داخل سجون النظام السابق، محاكمة مبارك بأنها تمثل "لحظة تاريخية لن تمحي من ذاكرة الشعب المصري ورسالة للطغاة والمتجبرين بأن الله هو المعز المذل فمن كان يتصور يومًا أن هذا الطاغية وزبانيته سيمثلون أمام المحكمة وسيحاسبون إمام القضاء الذين عملوا طويلاً على ازدرائه والنيل من رموزه". وأعرب عن أمله في أن تعيد هذه المحاكمة الهدوء للبلاد وتعطي الفرصة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة للخروج بالبلاد من حالة عنق الزجاجة، عبر تنفيذ مطالب الثوار العادلة والتعجيل بإجراء الانتخابات البرلمانية. وحث الثوار وذوي الشهداء على أن تكون محاكمة مبارك بالنسبة لهم عاملاً لتهدئة ثائرتهم، باعتبار أن محاكمتهم وإيداعهم القفص وحالة الهوان التي ظهر عليها رموز النظام تؤكد أن دماء أبنائهم ودماء جميع الشهداء التي أزهقها النظام طوال ثلاثين عامًا لن تذهب هباء. في سياق متصل، لم يخف الدكتور محمد يسري سلامة المتحدث الرسمي باسم حزب "النور" سعادته البالغة بما لحق بمبارك ورموز حكمه، قائلاً إن هذه المحاكمة ستجعل من مصر نبراسًا للحرية أمام العالم، بعد أن استطاعت النيل من الطغاة ومحاسبة من نهبوا أموالها وأزهقوا أرواح شهداء الثورة. واعتبر حضور مبارك المحاكمة ودخوله قفص الاتهام خطوة في الطريق تحسب للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، مشددًا على أهمية توفير كل شروط العدالة والشفافية وضمان تمتع المتهمين بكافة حقوقهم. وأبدى تفاؤل بأن هذه المحاكمة ستعيد قدرًا كبيرًا من الهدوء للبلاد وستساعد في إعادة عجلة العمل والإنتاج والمضي قدما في بناء مصر مجددًا. لكن الدكتور علاء الدين شتا القيادي في تنظيم "الجهاد" وإن أبدى سعادته الغامرة بوقوع مبارك ورموز حكمه تحت سيف المحاكمة العادلة، إلا أنه أعرب عن ضيقه من معاملة القاضي أحمد رفعت رئيس المحكمة التي يحاكم أمامها الرئيس السابق مع محامي الضحايا والشهداء. واستدرك قائلاً: "في الوقت الذي ضاق صدره – أي القاضي- بهم رأينأه يفتح الباب على مصراعيه لفريد الديب – محامي الرئيس السابق لتلاوة مطالبه السبعة"، متسائلاً: أين أتت عائلة مبارك بالمصاحف التي احضروه معهم للمحكمة ولماذا لم نر مصحفا طوال ثلاثين عامًا"؟. وطالب هيئة المحكمة بالتعامل على قدم المساواة مع جميع المتهمين وضرورة إلزام مبارك – الذي حضر المحاكمة على سرير طبي - بالوقوف شأنه شأن باقي المتهمين الآخرين وظهوره بشكل تام أمام الموجودين في القاعة، لاسيما أن نجليه قد حجباه عن الحاضرين ووسائل الإعلام كثيرًا. واعتبر أن الحالة التي ظهر عليها مبارك داخل قفص الاتهام ورده القوي على القاضي بإنكار التهمة المنسوبة إليه يثبت تمتعه بصحة جيدة تستلزم وقوفه على قدميه. واسترعى انتباهه حملة الدفاع الإسرائيلية عن مبارك، إذ أن الوزير الإسرائيلي السابق بنيامين بن إليعازر كان هو الوحيد بين ساسة العالم الذي دافع عن مبارك ليثبت كما قيل إن مبارك "يمثل كنزًا استراتيجيًا لإسرائيل".