على رسلك يا عمر، أنصت. ولهول الموقف أبي عمر إلا أن يتكلم، فلما رآه أبو بكر لا ينصت أقبل على الناس، فخطب خطبة قال فيها: "أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وأشهد أن الكتاب كما نزل، وأن الدين كما شرع، وأن الحديث كما حدَّث، وأن القول كما قال، وأن الله هو الحق المبين … أيها الناس، من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن يعبد الله فإن الله حي لا يموت (ثم تلا هذه الآية) "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ" (آل عمران: 144) فبعد أن تلا أبو بكر هذه الآية تذكرها الناس، وقال عمر: "والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فعقرت (أي دهشت وتحيرت) حتى وقعت على الأرض ما تحملني رجلاي، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات" (عظمة الرسول، محمد عطية الأبراشي، ط2، 1386ه / 1966م، مصر، ص 336) زال الشك من قلوب المسلمين، وعلموا حق العلم أن الرسول قد انتقل إلى الرفيق الأعلى، بعد أن أدي رسالته كاملة، وقام بما لم يقم به أحد قبله، واختار ما عند الله كما قالت أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها "خيرَّت فاخترت، والذي بعثك بالحق" (نفس المصدر السابق، ص 363) غُسل النبي عليه صلاة والسلام وعليه ثيابه وعلي يقول: "بأبي أنت وأمي، ما أطيبك حيا وميتا !" وبعد أن انتهى من غسله كفنوه في ثلاثة أثواب، ووضع في سريره في بيت عائشة رضى الله عنها ثم دخل الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون عليه جماعة بعد جماعة، وحفر له الحد في بيت عائشة حيث توفى ثم دفن عليه الصلاة والسلام في وسط الليل ليلة الأربعاء، لأربع عشر من ربيع الأول، والمسلمون في حزن عميق لفراق خاتم النبيين وسيد المرسلين. قال حسان بن ثابت وما فقد الماضون مثل محمد ولا مثله حتى القيامة يفقد اللهم صل وسلم وبارك عليه إنه عطر المكان في المدينة يوم دخلها، وعطر المكان في المدينة لم يزل لقد بعث الله في الأميين رسولا من أنفسهم، أزكاهم وأطهرهم محتدا وأصلا، وأرجحهم عقلا وحلما، وأغزرهم علما وفهما، وأقواهم يقينا وعزما، وأشدهم بهم رأفة ورحمة، طهر الله روحه وجسده، واتاه حكمه وحكما، وفتح به أعينا عميا، وقلوبا غلفا، وآذانا صما، فأمن به ونصره من كتب له السعادة، وكذب به من كتب الله عليه الشقاء، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى. وقد حظي المصطفى بالمحاسن الجميلة، والأخلاق الحميدة، والفضائل الكثيرة، وأيده بالمعجزات الباهرة، والبراهين الواضحة، والكرامات البينة الظاهرة التي شاهدها من عاصره، ورآها من أدركه وعلمها من جاء بعده. ولد المصطفى صباح يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول عام الفيل سنة 571 ميلادية، وكانت ولادته بمكةالمكرمة ولا ريب أن البيت النبوي التي كان منه المصطفى عليه الصلاة والسلام بيت رفيع، كريم المحتد، عظيم الشرف، أصله ثابت وفرعه في السماء ذلك البيت هو بيت هاشم بن عبد مناف بن قصي الذي اجتمع له من الشرف الرفيع والمجد الخالد، والسيادة العظمى، ما لم يجتمع لغيره من البيوتات العربية على عظمتها وشرف أصولها وفروعها وذلك أن قصيا الجد الأعلى للنبي قد اجتمع في يده معظم وظائف الرياسة والسيادة والقيادة وغيرها وقد ورثَّها بنيه، فرسول الله صلى الله عليه وسلم خيار من خيار، من خيار فهو صفوة بني هاشم. وسلالة قريش (فهر بن مالك) وصميمها، وأشرف العرب واعزهم نفسا من قبل أبيه ومن قبل أمه كما أنه من أهل مكة وهي أكرم بلاد الله على الله وعلى عباده وينتهي نسبه إلى عدنان وهو أبو العرب العدانانية. نعم يوم يتيه على الزمان صباحه ومساؤه بمحمد وضاء وحينما ولد أرسلت أمه لجده عبد المطلب تخبره فجاء وهو فرح ومسرور وألهمه الله أن يسميه محمدا تحقيقا لما ذكر في التوراة والإنجيل. وقد أنشده جده عبد المطلب قصيدة يوصي فيها أبا طالب برسول الله وهي: أوصيك يا عبد مناف بعدي بمفرد بعد أبيه فرد فارقه وهو ضجيع المهد فكنت كالأم له في الوجد (أي الحزن) فكان أبو طالب يحبه حبا جما، أكثر من حبه لأولاده وقد قاسمته امرأته فاطمة بنت أسد في تربية رسول الله، وحينما ماتت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لقد ماتت أمي) وكفنها في قميصه. روي أنه كان في سفر، فأمر أصحابه بإصلاح شاة، فقال رجل: يا رسول الله على ذبحها، وقال آخر: على سلخها، وقال ثالث: على طبخها. فقال رسول الله: "وعلى جمع الحطب" فقالوا: يا رسول الله، نكيف العمل. فقال: علمت أنكم تكفونني، ولكن اكره أن أتميز عليكم، وإن الله يكره من عبده أن يكون متميزا بين أصحابه" كانت حياة محمد صلى الله عليه وسلم على هذا النحو من الزهد والتقشف والبعد عن متاع الدنيا وزينتها في الوقت الذي كان يوزع فيه مئات الألوف من الدراهم والدنانير على أصحابه. (عظمة الرسول، سبق ذكره، ص 189) ماذا فعل محمد صلى الله عليه وسلم ؟ - رفع أمه من الحضيض. - أنشأ دولة من العدم. - أقام دينا بعد انتشار الفساد والظلم والطغيان وعبادة الأصنام. - إنها العظمة الحقيقة التي أذلت أعناق الجبابرة، إنه التأييد الرباني وقد أعلى الله ذكره ورفع شأنه ب o ذكره معه في الشهادتين. o أيده بمعجزة خالدة باقية هي القرآن الكريم. o منع العذاب عن أهل مكة إكراما له وتعظيما " وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ" (الأنفال 33) ذلك هو سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. عطر المكان وعطر الزمان إلى قيام الساعة، عطر مكةالمكرمة موطن الميلاد الشريف، وعطر المدينةالمنورة حيث خُير فاختار اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وزوجاته أمهاتنا أمهات المؤمنين.