اليوم ردت علينا الحكومة ، ببيان صادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء ، جاء فيه ما نصه : (تردد في بعض صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية تأجيل انتخابات مجلس النواب، وقد تواصل المركز مع رئاسة مجلس الوزراء التي أكدت أن موعد الانتخابات البرلمانية سيحدد بمعرفة اللجنة العليا للانتخابات عقب انتهائها من كافة الاستعدادات الخاصة بها وصدور قانون تقسيم الدوائر الانتخابية، ولا نية لتأجيلها، وأنه تم إصدار قرار بتشكيل لجنة تتولى إعداد مشروع قرار بقانون لتقسيم دوائر انتخابات مجلس النواب بما يتوافق مع الأحكام الواردة بالدستور ، ومن جهة أخرى، أكدت اللجنة العليا للانتخابات على أنها تواصل اجتماعاتها وتتخذ إجراءاتها للوصول إلى المرحلة التي يمكن فيها إصدار قرار دعوة الناخبين للانتخابات البرلمانية، والسير في إجراءات العملية الانتخابية) البيان يعني أن الرسالة وصلت ، وأن هناك إدراكا رسميا لأن الغطاء أصبح مكشوفا أمام الشعب ، و"اللعبة" لم تعد تنطلي على أحد ، لعبة التسويف والتلاعب والتأجيل لانتخابات البرلمان لصناعة فراغ تشريعي ورقابي ، لكي يكون هناك "فرعون" يأمر وينهى ويشرع ويمنح ويمنع ويخطط ويولي ويعزل ويحاسب ويراقب ، بدون حسيب ولا رقيب ولا شريك ، وفي غيبة الشعب ، صاحب الشرعية ومانحها ، والحقيقة أن ما لم يقله بيان مجلس الوزراء أن الانتخابات تأجلت بالفعل ، لأن الدستور ألزم الدولة بجميع سلطاتها أن تجري الانتخابات في موعد أقصاه 18 يوليو الماضي ، أي قبل ثلاثة أشهر ، وبالتالي فالحديث أنه لا نية للتأجيل مثير للشفقة والسخرية ، وكان يفترض اليوم أن يكون لدينا برلمان ينعقد ويمارس صلاحياته ويحمي الشعب من تغول السلطة والرئاسة ، وهو ما لم يحدث ، ولن يحدث في الأمد المنظور ، ولعبة أن اللجنة تواصل اجتماعاتها وتتخذ إجراءاتها للوصول إلى مرحلة يمكنها فيها دعوة الناخبين ، كلام مطاط وهلامي ويمكن لأي جهة تريد التلاعب استخدامه بسهولة لعدة سنوات مقبلة وليس عدة أشهر فقط ، والاجتماعات والاجراءات لها عوائق ولها حوارات ولها مطالبات وتقسيم الدوائر يحتاج تقسيم المحافظات ، وموت يا حمار ، اللعبة واضحة ومفضوحة ، واللجنة لن تتحرك إلا بضوء أخضر من مالك السلطة الحقيقي ومالك القرار الحقيقي . هناك ما لا يريدون قوله في الهلع من إجراء الانتخابات البرلمانية الآن ، وفي موعدها احتراما للدستور ، ليس الأمر فقط متعلقا بتعطيل رقابة الشعب وصناعة فراغ تشريعي تسرح فيه وتمرح السلطة والرئاسة ، بل أخطر من ذلك بكثير، فمجلس النواب الجديد يملك سلطة إسقاط شرعية الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال خمسة عشر يوما فقط من بدء عمله ، بنص الدستور ، ورئاسة الجمهورية تعرف ذلك ، والمحكمة الدستورية تعرف ذلك ، وهو ما لا يشار إليه ولا يريدون إبرازه لخطورته الشديدة . والمادة 156 من الدستور تنص حرفيا على ما يلي (وإذا كان مجلس النواب غير قائم، يجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين، على أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يوماً من انعقاد المجلس الجديد، فإذا لم تعرض وتناقش أو إذا عرضت ولم يقرها المجلس، زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون، دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها فى الفترة السابقة، أو تسوية ما ترتب عليها من آثار) . وقانون انتخابات الرئيس صدر عن رئيس الجمهورية المؤقت عدلي منصور بعد صدور دستور 2014 وبالتالى تحكمه نصوص الدستور بشكل صارم ، ومن ثم يجب إن يعرض هذا القانون على مجلس النواب القادم لإقراره أو الاعتراض عليه خلال أسبوعين وإذا لم يعرض أو اعترض عليه زال ما له من قوة نفاذ بأثر رجعى ومنها انتخابات الرئيس التي أجريت في ظله ، ويلزم الدستور اللجنة العليا للانتخابات فورا بإعلان خلو موقع رئيس الجمهورية والدعوة لانتخابات رئاسية جديدة . الكارثة الأخرى أن قانون انتخابات الرئاسة هو قانون مكمل للدستور وبالتالي يكون إقراره أو تمريره في البرلمان يشترط له موافقة أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب وفقا للمادة 121 من الدستور ، وهو ما يعني أن السيسي لكي يتفادى خطر عزله خلال أسبوعين من تشكيل مجلس النواب يحتاج إلى ضمان موالين له بأغلبية ثلثي أعضائه على الأقل وهي فرضية شبه مستحيلة الآن ، ولذلك يتهم التهرب من إنجاز الاستحقاق الانتخابي الأهم والأخطر ، البرلمان ، لأن إنجازه يعني أن على السيسي أن يكون مؤهلا لمغادرة منصبه خلال خمسة عشر يوما من انعقاد البرلمان ، وهذا بالضبط ما جعل السيسي يلوح بإلغاء البرلمان كله إذا أتت أغلبية معارضة له فيه تحت شعار "الشعب سيسقطه" في حديثه للصحفيين في نيويورك ، لأنه في هذه الحالة لا حل وسط ، أحدهما يبقى والآخر يزول : السيسي أو البرلمان ، تلك هي القصة بوضوح كامل .