" تعظيم سلام للدكتور مصطفى الفقي" ظللت أرددها حتى استوقفتني زوجتي وهي تربت على كتفي وتقول لي "قوم ياأبو أسامة عشان نتغدى" ....فاستيقظت من نومي وأنا بين الشك واليقين أأنا أحلم أم هي الحقيقة وتناولت " الريموت " مسرعاً وفتحت التلفاز متنقلاً بين القنوات بحثاً عن الحقيقة وتتابعني زوجتي مندهشة لفعلي !!..... وأدركتُ أني كنت أحلم ... فلقد تسلل إلى عقلي الباطن وسيطر عليه مقال الدكتور جمال حشمت في جريدة المصريون بعنوان " الفرصة الأخيرة " - والذي تخيل فيه وقفة الدكتور الفقي التاريخية في إحدى جلسات مجلس الشعب - حتى عشته واقعاً وتخيلت سيناريو مابعد الحدث .... لكنني عدت وشكرته- الدكتور جمال طبعاً- بيني وبين نفسي فلقد جعلني أحيا لحظات من السعادة – حتى ولو في الحلم- وأنا أتخيل الشرفاء من أبناء هذا الوطن وهم يقدمون المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية وينتصرون للأفكار السامية على الواقع المرير. هكذا أعترف أمامكم جميعاً بأن ماكان في مقالي السابق لايعدو كونه خيالا واسعا قفزت فيه فوق كل الحقائق والمعطيات وأعطيت لنفسي الحق في كتابة سيناريو يصلح لمشهد سينمائي يخرج فيه البطل في النهاية منتصراً للقيم والأخلاق والمبادئ ، متحدياً للبيروقراطية وقوى الشر المتربصة ، وإن كانت الشخصيات تتسمى بأسماء حقيقية وأماكن معروفة ، فذلك من دواعي الحبكة الفنية ، والتي حدت بالعديد من قراء " المصريون " الأعزاء أن يراسلوني على البريد الخاص للاستفسار حول الحقيقة ، ومنهم من دعته المفاجأة للهرولة لأقرب "بائع جرائد" لاستطلاع الأمر ، والبعض الآخر اعتبره حقيقة بعد أن خدعته ألفاظ المقال ، والحقيقة أني وإن غمرتني السعادة لنجاحي في تصوير المشهد بما يقترب من الحقيقة إلا أني وبدافع احترامي لعقول القراء الكرام أعلن توبتي عن هذا الحلم وبرائتي منه ، فلاأرضى لنفسي أن أشارك في تخدير الشعب أو الضحك عليه ولو من باب الرغبة في تحريك المياه الراكدة التي اعتدنا أن تملأ حياتنا في المواقف المختلفة، فالنظام يراهن دوماً على ذاكرة هذه الأمة وقدرته على كيل الصدمات المتتالية ليُنسي بعضها بعضاً ، فتتحول جموع المواطنين من الاهتمام بما حدث في دمنهور إلى متابعة مايحدث في دمياط والشرقية والدقهلية وتوالي صدمات الإنتخابات ، إلى غرق العبارة وضحايا الفساد ، إلى غلاء الأسعار ، إلى إنفلونزا الطيور .... فأي ذاكرة للمواطن تبقى تذكر أمراً حدث منذ شهر وقد داهمه خلال هذا الشهر بعدد أيامه مصائب وأهوال ... !! فهم قادرون على أن يُنسوا هذا المواطن حتى اسمه ، بارعون في الضحك عليه ببطولة للأمم الإفريقية يظهرون فيها وهم يشجعون المنتخب لعلهم يقتربون من قلب المواطن المحب لكرة القدم بفطرته ، ثم يشغلونه بعد ذلك بصراع على دوري كرة قدم لايفرز إلا العصبية الممقوته ، والمواطن بطبيعته مستعدٌ دائماً ليُضحك عليه فهو مشغول باستجداء لقمة العيش التي يحصل عليها بشق الأنفس ناهيك عن تدني وسوء حالته الصحية التي دعته لترك الوطن بحثاً عن حياة أفضل انتهت للأسف في قاع البحر الأحمر ، فهل يستطيع المواطن بعد ذلك أن يتذكر ماذا أكل بالأمس !!!!؟؟ ولكن هذا يبقى دوراً حقيقياً للإعلام والإعلاميين فهو عملهم وتلك وظيفتهم يتذكرون حين ينسى الناس ، بل ويُذكرون الناس بقضاياهم التي شُغلوا عنها، فغالباً مايبقى الحدث في أذهان العامَة حتى يختفى من نشرات الأخبار أو البرامج التحليلية أو من على صفحات الجرائد والمجلات ليبقى قليلاً في جلسات السمر الخاصة بعد ذلك ثم يختفي تماماً ليظهر غيره ويحتل مكانته في الاهتمام البشري، فمن يتذكر مثلاً حريق القطار أو ضحايا حريق بني سويف ؟؟ نحن لانتذكرهم إلا عندما تقع مصيبةٌ أخرى أو بلاءٍ جديد، حتى عندما نتذكرهم فإن ذلك من باب ضرب الأمثلة والاستدلال لامن أجل تقصي الحقائق ومعاقبة المسئول ، فتبقى القضايا لاتستأثر إلا على إهتمام صاحبها والمقربين منه ، ويخف شيئاً فشيئاً الضغط الشعبي وتتوارى القضية عن أنظار العامة فيسهل ذبحها والتمثيل بجثتها في أقرب ظلام إعلامي بالطريق، فلاتصرف تعويضات للضحايا ولايؤخذ حق المظلوم ولايعاقب الظالم وعلى المتضرر اللجوء للقضاء ، لكني أعتقد بأن أزمة الذاكرة بدأت في الإنفراج شيئاً فشيئا ، فكثرة الضغط توَلد الإنفجار ، وانفجار المواطن هنا تجلى بوضوح في تصويته بالانتخابات البرلمانية الأخيرة لإسقاط الفاسدين من المرشحين وهو مستعد لهذا ولو كان الثمن حياته ، ولاأعتقد بأن المواطن بعد أن ذاق طعم الكرامة وحلاوة الحرية المنتزعة ، لديه الاستعداد أن يتخلى عنهما ولو كان الثمن لقمة عيشه التي يُهَدد بها دائماً ، لأجل هذا سيبقى يتذكر ويبقى الإعلاميون يذكرونه إن نسي ليعجلوا جميعاً بالنهاية المحتومة للظلم والفساد ، فلن تبقى انتخابات دمنهور قضية شخصية للدكتور جمال حشمت ، ولن يتألم أهالي ضحايا النظام وحدهم ولن يواجه المعتقلون السياسيون حجزهم خلف القضبان بعيداً عن الشعب المتذكر، وتبقى الذاكرة الحية مفتاح التحولات وبداية الانتصارات ، وأعود فأعتذر لجميع القراء الذين كانت مقالتي السابقة سبباً في حيرتهم أو فرحتهم التي لم تتم أو ألمهم - بمن فيهم الدكتور مصطفى الفقي. [email protected]