أكثر ما لفت انتباهي في التقرير الرائع الذي كتبه من واشنطن الزميل عماد مكي، رئيس تحرير "امريكا إن أربيك".. ونشرته "المصريون" منذ أيام، هو أن اليسار الأمريكي يقف بقوة مع "الانتخابات أولا" واحترام كلمة الشعب المصري التي قالها في استفتاء 19 مارس الماضي!. والحال أن اليسار الغربي والأمريكي عموما، لا يزال محتفظا بعافيته وتوهجه، وهي الحالة التي استقاها من نقاء المواقف والالتزام الأيديولوجي.. على غير ما أصاب اليسار المصري، الذي تفكك تقريبا بعد هزيمة الاتحاد السوفيتي عسكريا في افغانستان عام 1988، وأيديولوجيا بسقوط جدار برلين عام 1989.. حيث تأسس اليسار المصري على فكرة "التمويل" ومنطق "السبوبة".. وبعد انقطاعهما بتفكيك الاتحاد السوفيتي وهزيمته، تحول اليسار المصري للبحث عن "مصادر" بديلة .. ولم يتغير إلا نوع العملة حيث حل "الدولار" الأمريكي محل ال"روبل" السوفيتي.. ولعل تحول قوى اليسار المصري إلى "بوتيكات" حقوق إنسان بتمويل وأجندات أمريكية، يعتبر أحد أبرز تجليات منطق" السبوبة" كجين وراثي انتقل من الآباء المؤسسين إلى أجيال ما بعد سقوط المرجعية اليسارية عسكريا وأيديولوجيا. اليسار المصري، يعتبر أحد أسوأ جماعات اليسار في العالم، ليس فقط لتخليه عن النضال الطبقي والاجتماعي والتحاقه بالقوى الرأسمالية الطفيلية الجديدة التي انتفخت وانتعشت بالمال الطائفي والأمريكي والتطبيعي والمنهوب من البنوك والملطوط بالاستيلاء على أراضي الدولة.. وإنما بتحالفه مع الديكتاتوريات العربية من جهة وبالتآمر على الأمن القومي المصري من جهة أخرى. لم يعد في مصر قوى سياسية باسم اليسار، وإنما جماعات "بزنس" تتمسح به، قبلت الشراكة مع التيار العلماني المتطرف، الذي طفق يعمل في الارتزاق السياسي، تحت مظلة التمويل الأجنبي، لا سيما القادم من حسابات اليمين الأمريكي الصهيوني المتطرف. هذا الحلف الذي جمعه الزمار الأمريكي، هو الذي يقود هذه الأيام، الحملة العاتية ضد الديمقراطية المصرية الوليدة، ويعمل بدأب وكما كشف عماد مكي على هزيمة الجيش المصري سياسيا، وبالتناغم مع رغبة تل أبيب الذي أفزعها وطنية الجيش المصري وانحيازه للشعب وتخليه على رجل تل أبيب القوي حسني مبارك.. وتجري هذه الحرب حاليا على جبهة "الدستور أولا".. من خلال الوكلاء والمرتزقة والشبيحة على فضائيات الفتن السياسية. الضغوط التي تجري حاليا تحت لا فتة "الدستور أولا".. هي في واقع الحال تستهدف كسر الجيش المصري، ووضعه في صورة غير القادر على حماية إرادة الشعب.. وهي حال حدثت ولن تحدث إن شاء لا تعني هزيمته سياسيا وحسب ولكن تعني هز منزلته التي تحظى بالاحترام والتوقير عند الرأي العام، وهو هدف صهيوني أمريكي بامتياز.. ولعل الاستاذ عماد مكي كان موفقا حين تساءل في تقريره: ماذا لو هُزم المجلس العسكري؟! إنها الكارثة الوطنية الكبرى التي يسعى إليها مرتزقة المال الطائفي والتطبيعي والأمريكي المسيطرين اليوم على غالبية وسائل الاعلام الحكومي والخاص. [email protected]