في ظل مجتمع تشيلي محافظ، هو الأكثر محافظة في أمريكا اللاتينية، حيث تعتبر الكنيسة الكاثوليكية قوية جدا، وحيث الاجهاض حتي الطبي لا يزال يعدّ جريمة، وحيث الطلاق لم يشرع الا قبل سنتين، كان من المستحيلات قبل سنوات أن تصعد امرأة إلي قمة السلطة لتخلف الرئيس الاشتراكي ريكاردو لاغوس في مارس 2006 ومع ذلك فازت مرشحة يسار الوسط ميشيل باشليه (54 سنة) في الانتخابات الرئاسية التي أجريت الاحد 15 يناير الماضي في تشيلي، وباتت المرأة الأولي التي تصل الي الرئاسة بالاقتراع العام المباشر في بلادها، والقارة الجنوبية. ويتساءل المحللون في الغرب، هل ان الرئيسة باشليه انتخبت بوصفها امرأة، أم بوصفها مناضلة اشتراكية؟ في الحقيقة هناك تقارب بين الاثنتين. لاشك أن انتصارها الباهر يعود إلي الأغلبية الاشتراكية الديمقراطية (يسار الوسط) التي تحكم البلاد منذ عودة الديمقراطية إلي تشيلي في عام ،1990 والتي أصبحت تسيطر علي مجلس الشيوخ لأول مرة، وحافظت علي أغلبيتها في مجلس النواب، أولا. ولكونها امرأة، وأكثر من ذلك لشخصيتها الجذابة ثانيا. إنها امرأة شجاعة تمتلك قناعات راسخة، وتعطي الثقة للناس. وقد أثبتت قدراتها وصلابتها عبر مسيرة حياتها الحافلة. إن فوز باشليه، هو انتصار مثلث: انتصار لائتلاف يسار الوسط المتكون من الديمقراطيين المسيحيين، والحزب الراديكالي، والحزبين الاشتراكيين، وانتصار للاشتراكيين، وانتصار شخصي لها. وهذا الفوز يظهر أيضا قوة اتحاد يسار الوسط الحاكم في تشيلي منذ نهاية الديكتاتورية عام 1989 . ماذا يمكن أن يظهر لنا وصول هذه السيدة إلي قمة السلطة في بلد كاثوليكي تقليدي تطغي عليه النزعة الذكورية، وتحتل فيه العائلة مركزية القيم، علي نقيض جيرانه الأمريكيين اللاتينيين الذين يعيشون حياة عاطفية وسياسية متقلبة جدا؟ إنه يظهر لنا الصعود القوي للنساء في الحياة السياسية في قارة أمريكا اللاتينية، كما في أماكن أخري، وفي بلدان ليست بالضرورة متقدمة. إن تشيلي بلد محافظ جدا، بل متزمت في تشدده الديني. وكانت الكنيسة تبنت خطا سياسيا مغايرا في الثمانينات من القرن الماضي، عندما جسدت القطيعة مع معظم الديكتاتوريات العسكرية التي حكمت أمريكا اللاتينية، لكنها ظلت دائما في خط البابا يوحنا بولس الثاني. ومع ذلك تبني قسم كبير منها إيديولوجية لاهوت التحرير. فتحول بذلك القساوسة إلي شيوعيين ثوريين مدافعين عن الفلاحين الفقراء، وانخرطوا في حروب العصابات ضد الأنظمة العسكرية والديكتاتوريات التي كانت تحظي بدعم واشنطن وتأييدها. والحال هذه، فإن انتخاب باشليه يعبر عن ظاهرة تغيير عميقة في العقليات: إنه يظهر لنا أيضاً أنه بعد خمسة عشرة سنة من الانتقال إلي الديمقراطية، أن تشيلي تحدثت بصورة عميقة. إن التطورات التي أسفرت عنها العملية الانتخابية في أمريكا اللاتينية، مسألة جديرة بالاهتمام، إذ إن اليسار هو الذي يحقق انتصارات في الانتخابات، وهذا بدون شك يعزز المحور المناهض للولايات المتحدة في القارة الجنوبية. وعلي الرغم من أن بلدان أمريكا اللاتينية اعتنقت نهج الليبرالية الاقتصادية في سياق العولمة الرأسمالية المتوحشة التي تقودها واشنطن.