إنها جماعة الإخوان المسلمين.. فكلنا يعرف، كيف أن النظام البائد، ظل يُخوفنا من الإخوان باعتبارهم " ظلاميين ِ" ، ويريدون أن يُعيدونا إلى العصور الوسطى، وأنهم سيثيرون علينا الدول الكبرى بمعاداتها، ويتحالفون مع كل القوى الإرهابية فى العالم، وأن ما يُصورونه من اختلافات بينه وبين القوى الإسلامية الأخرى، إن هو إلا توزيع أدوار، وأن الفن عندهم حرام، ومن ثم فسوف يلغون المسرح والسينما...إلى غير هذا وذاك من مظاهر " التخويف " وبث الفزع فى قلوب الناس، ومن ثم تكون النتيجة، هى الرضا بالنظام القائم على أساس أنه يحمى مصر من هؤلاء الظلاميين. وكان الأمر لا يخلو، فى بعض الأحيان من خطأ هنا وهناك، يرتكبه فرد هنا وهناك، وربما يكون هذا الخطأ فاحشا، مثل محاولة الاعتداء على الراحل نجيب محفوظ، ومثل اغتيال فرج فودة، فلا يكون تمييز بين شرائح وأطياف داخل الجماعات المستندة إلى المرجعية الإسلامية، ويتم تعميم، ومن ضمنه أن الإخوان يحللون مثل هذه الأعمال ، ويشجعون عليها، فإذا أشرت إلى عدد من عظماء المفكرين والعلماء المشهود لهم بالاتزان والاعتدال والعقلانية، مثل القرضاوى، ومحمد عمارة، ومحمد العوا، وطارق البشرى، رد المهاجمون بأن هذا مجرد توزيع أدوار ، لكن الغاية تظل واحدة! ومن حكمة الله عز وجل، ويقظة شباب مصر، أن حديث الإفك هذا، على الرغم من استطالته، ثلاثين عاما، إلى الدرجة التى أصبحنا نتصور فيه أنه الوضع الذى كان قد أصبح من " طبائع الأمور "، لا تبديل له ولا تحول، قد تحول بالفعل تحولا جذريا منذ الخامس والعشرين من يناير2011، مما أتاح الفرصة لجماعة الإخوان أن تمارس نشاطها علنا، بل ووصل الأمر إلى استضافة عدد مهم منهم فى القنوات الفضائية، ثم زاد الأمر مفارقة أن استضافهم التلفزيون الرسمى للدولة، وأصبحنا نقرأ أخبارهم على صفحات الصحف الحكومية، مثلما هو الأمر فى الصحف الخاصة، بل وتتم تغطية هذا النشاط بتوسع ، وبعناوين بارزة، وأحيانا على الصفحة الأولى، وتختفى الأخبار والحوادث والتقارير " المفبركة "، وخاصة تلك التى كان يتميز بها صحفى معروف فى جريدة قومية، حيث كانت تُفرد له صفحة كاملة لنشر مادة ، دائما تخرج منها بانطباع أن ألإخوان المسلمين، هم أبالسة مصر، وأنهم شياطين، يجب التحذير منهم. قلنا بيننا وبين أنفسنا : حمدا لله، أن سقط النظام ومن ثم فإن أى توصيف للإخوان سوف يكون مرتبطا بما يقولون حقيقة وبما يفعلون واقعا، جهارا نهارا، دون خوف منهم من مطاردة واعتقال وتعذيب ومحاكمات عسكرية، لكن حقيقة الواقع تنبؤنا بأن ما حدث هو ما أشرنا إليه حقا من المنع والحجب، والاعتقال ، لكن " المخاوف " و " الترويعات"، لم تقل ، بل زادت إلى حد كبير، وبعد أن كانت الدولة هى التى ترددها، مما يظللها بظلال من الشك، أصبحت رموز ثقافية وسياسية وقانونية وثقافية ذات الوزن الثقيل، والاعتبار المهم، هى التى ترددها، لا بمناسبة الاعتقال والمحاكمة كما كان يحدث بالنسبة للدولة، ولكن الآن، هى أقاويل واتهامات، وصور تشكيك تتردد يوميا، وربما على القنوات المستقلة أكثر من الرسمية، وفى الصحف الحرة الخاصة أكثر من الصحف الرسمية أو شبه الرسمية، أى أن الإخوان أصبحوا هنا لا فزاعة للنظام بل فزاعة مثقفين ومفكرين وعلماء وشرائح من المجتمع ! هنا نجئ إلى خلل مؤسف حقا، مفزع فعلا، يشير إلى فيروس مصاب به نهج التفكير فى مجتمعنا، وهو نتيجة تبدو طبيعية ، عندما يعيش مجتمع فترة طويلة تحت ظلال القهر والاستغلال، لا يعرف المناظرات السياسية والحوارات المجتمعية، وتعددية الجماعات السياسية، وتداول السلطة، منذ عام 1952، فمن شأن المجتمع الذى يعيش فى ظلال مثل هذه الأجواء، أن تساوره الريبة فى " الآخر " بالنسبة إليه، وفى المقابل يزداد تمسكا بما يراه هو، ويحدث ما تعارف جماعة من علماء النفس عليه باسم " التوحد مع المعتدى "، حيث يمارسون أساليبه نفسها مع أغيارهم، ويشيع " التكفير " ، لا بالمعنى الدينى وإنما بالمعنى الوطنى والفكرى. ظهر هذا جليا فى الأيام القليلة التى سبقت استفتاء مارس الماضى، فإذا بحملات ضارية، على صفحات الصحف، وعبر الفضائيات، بل ووصل الأمر إلى تمويل صفحات إعلانية كاملة، لعدة أيام، على صفحات الصحف الكبرى ، مما تكلف ملايين الجنيهات، تحاول أن تصور أن الموافقة على التعديلات المطروحة سينتج كذا وكذا من عظائم الشرور وبلايا الانتكاس، دون أن يتنبه هؤلاء أن المسألة ما دامت تحكمها قواعد اللعبة الديمقراطية، فلِم كل هذا التحرك المحموم، وما الفرق إذن بين ما كان النظام السابق يروجه، وبين ما أصبح يروج الآن من صور التخويف والترويع، وكأن يوم القيامة سوف يحل إذا وصل هؤلاء إلى سدة الحكم ، أو أصبحوا أغلبية، فليكن هذا إذا حدث، فوفقا للقواعد الديمقراطية، فسوف تكشف الممارسة مدى صدق الإخوان أو كذبهم فى العمل لمصلحة مصر، ومن ثم يمكن أن نُسقطهم فى المرة التالية، إذا ظهروا على غير ما تظاهروا به، حيث سيصابون بنكسة مهولة، ويظهر أن كل ما ظزلوا يرددونه عبر أكثر من ثمانين سنة إنما هو " ضحك على الدقون " ، كما يقال! وفى المقابل، فإن على جماعة الإخوان مسئولية ضخمة فى إدخال الطمأنينية فى قلوب الأغيار.إن أفراد كل جماعة من البشر، ليسوا ملائكة بطبيعة الحال، وبالتالى فلابد أن يكون بينهم من يخطئ أو يتصرف تصرفا يثير الشبهة أو المخاوف، ولابد أن يكون هناك من لا يحسن التعبير عن الموقف الصحيح ، ومن ثم تصبح مسئولية ضخمة على القيادات الإخوانية أن ينصحوا هؤلاء الذين تنفلت ألسنتهم بتصريحات مجانبة للتعقل، وتثير مخاوف الآخرين، ومن الحكمة الإسلامية، من أراد أن يقل شيئا ، فليقل خيرا أو ليصمت! نقول هذا لأمرين ، أولهما وأهمهما أن هذا التصرف القولى أو الفعلى الخاطئ، يترك انطباعا سيئا عن الجماعة لدى الناس، فى وقت لابد أن تعلم أنها تحت الاختبار، وأنظار الدنيا كلها متجهة إلى ما يقولون وما يكتبون ، سعيا لمحاولة التنبؤ بما يكون عليه وضع مصر لو حكم هؤلاء. ومن ناحية ثانية، فإن " المغايرين " يقف بعضهم موقف " التربص"، وكأنه ينتظر، ولو هفوة هنا أو هناك ، لنيتهزها فرصة ، ويقوم بالتشنيع والصياح " ألم أقل لكم ؟ إن الإخوان كذا وكذا " ..فكأن بعض الأغيار" ما يصدقوا " وقوع خطأ من هذا وذاك، دون تنبه إلى قاعدة مهمة، وهى أن الحق لا يقاس بالرجال وإنما يقاس الرجال بالحق، فلو قتل مسيحى فرنسى مسئولا، فهذا لا يعنى القفز إلى نتيجة تقول بأن المسيحية تشجع على الاغتيال، ولا تصور أن المسيحيين إرهابيين ، إلى غير هذا وذاك من تخاريف التعميم المفزع، اللاشرعى. ويصبح على الإخوان أيضا أن يتحملوا الهجوم الشديد والنقد اللاذع، فلا تنفلت ألسنتهم برد يخرج عن حدود اللياقة، فالمسلم " الكيس " هو الذى يتذكر دائما تلك الصفة التى مدحها القرآن الكريم فى سورة آل عمران :(وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134))، وكذلك أهمية التأكيد والتشديد على عقد روابط صداقة ومحبة وود، مع الأغيار، لا بتصنع، أو إلى حين، وإنما عن صدق قلب، فالمولى عز وجل نفسه يؤكد لكل منا فى سورة المؤمنون : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96))، وإذا كان التعامل بالود والتحاب والسماحة مطلوب من كل منا على وجه العموم، فإنه " فريضة " على الإخوان تجاه الأقباط بصفة خاصة، لا من باب " المصانعة "، فهم من حقهم أن يشعروا بالقلق، ومن حقهم أن يشعروا بالخوف، فحكم الإخوان – إذا حدث – بالنسبة إليهم مجهول، والساحة المصرية امتلأت عبر نصف قرن، باتهامات مفزعة عن الإخوان، فمن الذى يؤكد للأقباط، شركاء الوطن أن هذا ليس صحيحا، وأن الإخوان سوف يلتزمون بالفعل بحق كل مصرى فى أن أن يعتبر نفسه صاحب حق لا يقل عن غيره، ما دام يحمل صفة المصرية؟ كما أن الإخوان مطالبون كذلك بأن يبرهنوا على أنهم يملكون رؤية سياسة تقوم على التعقل فى العلاقات الدولية، فلا يثيرون علينا الزوابع ، لكن بغير تفريط قيد أنملة فى حقوق الوطن والمواطنين، وارتفاع الرأس المصرى عاليا دائما . وعلى الإخوان أن يثبتوا أن لديهم برامج وطنية فعلية للنهوض بالوطن اقتصاديا وسياسيا وثقافيا وتعليميا وعلميا، وأن دعوتهم لا تقف داخل دائرة ما اصطلح على وصفه " بالدروشة " ، كناية عن الانغماس فى الشأن التعبدى وحده، وفراغ العقل والقلب واليد من هموم الاقتصاد والسياسة والعلم والتعليم والزراعة والصناعة، إلى غير هذا وذاك من شئون، إن قال البعض أنها " دنيوية "، فإننا نقول له أن الدنيا " مزرعة للآخرة، ولابد من الاختبار " الدنيوى " لنثبت أننا نستحق الجزاء الأخروى المكافئ لما فعلناه فى الدنيا. لست بهذا أقف " واعظا " ، فأنا لا أحسن الوعظ، ولا أزعم أن كل هذا يغيب عن قيادات الإخوان، فأهل مكة أدرى بشعابها ، كما يقولون، وإنما هى قولة " صديق " ، يضع دينه ووطنه فى المقدمة، وفى صدارة مصادر " المعايرة " – من المعيار - وبعد ذلك ، تجئ هذه الجماعة أو تلك ، هذا الحزب أو ذاك ، هذا الإنسان أو ذاك، وعلى الله قصد السبيل.