صراحة أنا لا أفهم مغزي لتلك الحملة الشعواء التي تشن هذه الأيام علي الإخوان المسلمين، ولا أجد لها ما يبررها علي الإطلاق والتي تذكرنا بتلك التي كان يشنها النظام البائد مع الفارق من أن تلك الحملات آنذاك كان لها أسبابها فقوة الجماعة وارتباطها بالناس والتفاف الجماهير حولها رغم كل التضييق عليهم كان يؤجج مضاجعهم ويؤرق منامهم ويصيبهم بصداع مزمن لاشفاء منه إلا برميهم في السجون وتشغيل الآلة الجهنمية الإعلامية ضدهم لتشويه صورتهم في الداخل والخارج ليجعلوا منهم فزاعة تخيف الجميع ويبدو أن حملتهم الإعلامية الخبيثة هذه أتت أكلها مع الأسف الشديد وإلا فما معني أن تعاد من جديد مفردات تلك الحملة الظالمة وبعد أن تخلصنا من النظام الديكتاتوري، الفاسد والظالم؟! ويقود هذه الحملة الآن ممن يطلقون علي أنفسهم بالليبراليين وكانوا من قبل يعرفون أنفسهم بالعلمانيين وحينما وجدوا لها مردوداً سلبياً في الشارع فقرروا تغيير المصطلح لا الجوهر وهم في السابق قبل سقوط الشيوعية كانوا يتفاخرون بأنهم يساريون بعد أن أحسوا أيضاً برفض الشارع للشيوعية، مع احترامنا الكامل لكل من هو يساري أو شيوعي بحق، يعتنق فكراً أيديولوجياً نتفق معه أو نختلف فهذا ليس موضوعنا، ولكنني فقط أريد أن أفرق بين هؤلاء العقائدين المحترمين وبين هؤلاء المتلونين أو المتسلقين دوما مع الموجة الرائجة، وقد سميتهم من قبل »مثقفون تحت الطلب«، وهم لم يقصروا لحظة في التعاون مع النظام البائد سواء في العلن أو من وراء الكواليس أو بلغة السياسة »من تحت الطاولة« خاصة في موضوع الإخوان الذي يبدو أنه كان يؤرقهم أيضاً بقدر ما كان يؤرق حليفهم بدليل تلك الحملة الشرسة علي الجماعة ومحاولة تأليب المجلس العسكري عليها تارة والشعب تارة أخري والإيهام بأنهم يريدون السيطرة علي مقاليد الحكم والاستحواذ علي السلطة وتحويل مصر إلي دولة دينية!! وأقاموا الندوات بطول الأرض وعرضها حول مدنية الدولة ومآثرها وظلامية الدولة الدينية علي الرغم من أن الإسلام لم يعرف الدولة الدينية قط، ولم تكن لها أثر علي مدار الحضارة الإسلامية بل يمكن القول إن أول دولة مدنية وأول وثيقة لحقوق الإنسان في العالم كانت تلك التي وضعها رسولنا الكريم »صلي الله عليه وسلم« والتي ساوي فيها في الحقوق والواجبات بين المسلم وغير المسلم »لهم ما لنا وعليهم ما علينا«، والمعروف أن الدولة الدينية أقيمت في أوروبا في العصور الوسطي تحت سيطرة الكنيسة وسطوتها فلماذا يحاولون إلصاقنا بما ليس فينا وزج المجتمع في مناقشات بيزنطية لا طائل من ورائها غير الجدل والفرقة وهو ما يعطي انطباعاً بأن إصرارهم علي طرح تلك المسألة في هذا التوقيت بالذات ليس بريئاً ولا عفوياً بل المقصود منه طمس الهوية الدينية والإسلامية بالتحديد، وهو ما يدل علي عداء قديم بينهم وبين الإسلام علي الرغم من أن الغالبية العظمي من هؤلاء الليبراليين مسلمون في شهادة الميلاد بطبيعة الحال!! ولكنها الموضة السائدة هذه الأيام ولابد من ارتدائها حتي لا يعدوا من المتخلفين! المهم أن هؤلاء القوم نسوا في غمرة دفاعهم عن الدولة المدنية التي ستطمسها الجماعة ودموع التماسيح التي يذرفونها عليها، ديمقراطية الدولة وهي الأهم في المنافشة إذ إننا كنا نحكم في ظل حكم سلطوي ومستبد من خلال دولة مدنية ولم يفتح أحد من هؤلاء المناظرين فمه بكلمة استهجان واحدة! إن الإلحاح علي إقصاء الإسلام بحجة مدنية الدولة وربطه بجماعة بعينها إنما هو إعادة لنفس الخطاب الإقصائي الذي كان ينتهجه النظام البائد بل أكثر من ذلك فهو يمثل تحدياً لإرادة الغالبية العظمي من جموع الشعب مما ينذر بعواقب وخيمة نحن في غني عنها! لقد حاول الإخوان تبديد تلك المخاوف المصطنعة التي حاول هؤلاء بثها لدي الجماهير، ولكن ما أن يصرح أحد من قادتها بتصريح ما إلا وحملوه من المقاصد ما لم تحمله حروف كلامته، أي ليه وتأويله ليخرجوا منه ما يخدم هدفهم الذي يريدون إيصاله للناس، يحرفون الكلم عن مواضعه، وأخطر ما يثير في خطابهم الإقصائي هذا هو البحث في النوايا أي أنهم يقيمون محاكم تفتيش في الدولة المدنية التي يدعونها، ما علينا يقولون إن الإخوان سوف يفعلون كذا وكذا بمجرد وصولهم للسلطة وإنهم يضمرون ما لا يقولونه وأنهم يتبعون التقية في تعاملهم مع القوي السياسية الأخري إلي آخر هذا الهراء وتلك الافتراءات والتي زادت حدتها هذه الأيام والتي يبدو أن منسوبها سيظل في الارتفاع كلما مرت الأيام واقترب موعد الانتخابات وفلتت الأعصاب ومن الهزل ما يضعونه في موضع الجد مثل قولهم إن الجماعة هي القوة الوحيدة المنظمة علي الأرض وأن الانتخابات المبكرة سوف تحسم لصالحها ولابد أن نأخذ وقتاً لتنظيم أحزابنا والسؤال البديهي الذي يجب أن يوجه إليهم ما الذي يمنعكم من تنظيم صفوفكم إذا كانت لكم قاعدة حقيقية في الشارع أما القول إن الوقت ضيق فهذه حجة الخائب فالذي لا يستطيع أن يقيم حزبه في ستة أشهر فلن يقيمه في ستة أعوام وقديماً قالوا حجة البليد مسح التختة!! شيء غريب حقاً فبدلاً من لوم أنفسهم علي تقصيرهم وإخفاقهم نجدهم يصبون جم غضبهم وحقدهم علي نجاح الآخرين ثم إنهم بمنطقهم هذا كأنهم يريدون أن يعاقبوا الإخوان علي حسن تنظيمهم وارتباطهم بالجماهير رغم كل ما عانوه من تنكيل وظلم واضطهاد علي مدي ستين عاماً بينما كانوا سيادتهم منعمين ومرفهين في كنف النظام الفاسد وهذا ما باعد بينهم وبين الناس فلا تنسوا أن الشعب المصري ذكي ويفرق جيداً بين الغث والسمين يعني بصراحة كده ما ينضحكشي عليه فما بالك بعد 25 يناير!! أنا أخشي أن ننشغل بهذه المجادلات العقيمة والمكايدات السياسية عن قضيتنا الأساسية وهي بناء الدولة الديمقراطية العادلة القوية التي يشارك فيها الجميع لا إقصاء لأحد إلا لمن ساعد في اغتيال هذا الشعب وضياع هذا الوطن فلا صفح ولا صلح. لا الإخوان ولا أي قوي سياسية موجودة حالياً تستطيع أن تحكم بمفردها في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد وإلا كمن يريد الانتحار وطبعاً لا أحد يريد ذلك فلا داعي للخوف والتشكيك في بعضنا البعض وإلا وجدنا أنفسنا أمام ما لم يكن في الحسبان وبتنا نتباكي علي الإخوان وأيام الإخوان! [email protected]