حين وقف "الديب" محامى الجواسيس والقتلة مرافعًا عن المخلوع مبارك معددًا محاسنه ومآثره، ومؤكدًا أن 25 يناير لم تكن سوى مؤامرة على الدولة المصرية، وقام مبارك من بعدها بإلقاء خطابه التاريخى الذى يذكرنا بخطابه العاطفى ليلة التنحي.. ليت المحامى الهمام سأل مبارك الذى كاد يبكى وهو يقول إنه لم يساهم فى قتل مصرى واحد كما ادعى فى خطابه الرومانتيكى ليته حكى له عن شاب من مئات الآلاف من الشباب ملأت حكاياتهم البائسة صفحات الفيس بوك فيما أشارت لهم صحافتنا العامرة فى سطور قليلة.. شاب فى عمر الزهور اسمه عبد الحميد شتا.. من قرية "ميت الفرماوى" مركز ميت غمر بالدقهلية، حصل على ما يقارب من 85% فى الثانوية العامة، كان حلمه أن يلتحق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ولكن مجموعه لم يسمح له بالالتحاق بها، وكذلك لم تكن ظروف والده الصعبة تسمح له بأن يعيد العام محسنًا مجموعه فقبل بالأمر الواقع والتحق بكلية تربية قسم الجغرافيا. كان الشاب مقاتلاً، مثابرًا.. فنجح فى السنة الأولى فى كليته وكان الأول على دفعته وفى ذات الوقت استطاع "سرًا" وبدون مصاريف ودروس .. إلخ .. تحسين مجموعه فى الثانوية العامة فى نهاية السنة راح يفرح أبوه.مش بس لأنه طلع الأول على القسم بتاعه.لأ كمان لأنه دخل تحسين ثانوية عامة وحصل على 95% وكانت فرحة البلد كلها لا تقدر.. والتحق بحلم حياته، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومنذ أول يوم والكل يناديه بسعادة السفير.. إنه الحلم وشد الشاب المناضل الرحال إلى العامرة العاهرة الباهرة القاهرة يحمل طموحاته وأحلامه بين يديه، مرت السنوات الأربع سريعا بحلوها ومرها، وتفوق وحصل على تقدير جيد جدًا، قى ذات الوقت ساعده أبوه بتوفير مظهر لائق بمستواه العلمى الذى وصل إليه. بعد البكالوريوس بدأ يجهز لرسالة الماجستير واختار موضوعا صعبا وهو: "إصلاح المحكمة الدستورية فى مصر" وأثناء اشتغاله على الرسالة كان يعمل هنا وهناك.. كباحث بالقطعة، جمع القليل من المال على القليل وثقف نفسه وعلمها، حصل على كورس فى اللغة الفرنسية ثم الألمانية وظل يعمل على لتطوير نفسه فى مجال تخصصه وخارجه، حتى يظن الرائى أنه صار قاب قوسين أو أدنى من تحقيق أحلامه.. تقدم بكل جراءة فارس للالتحاق بالخارجية، فتقدم لوظيفة ملحق تجاري، واجتاز جميع الاختبارات بتفوق منقطع النظير وكان الأول! ظهرت النتيجة الرائعة تلقى أبوه اتصالًا، صخ ولطم وبكى ولكنه استسلم لقضاء الله ليستعد لاستلام جثة ابنه الفائق من مشرحة زينهم. صرخ الرجل: ابنى انتحر؟ ليه؟ رد أحدهم: رمى نفسه فى نيل المعادي، الأب يكلم نفسه: كان أمامه أسبوع ويناقش الماجستير.. ينتحر؟ أحد أولاد الحلال من أصحاب ابنه وشوشه وقال له: ابنك طلع الأول فى الامتحانات لكن رفضوه يا حاج..المسئولون قالوا له أنت غير لائق اجتماعيًا لأن أباك عامل فى مصنع طوب. اليوم تمر الذكرى العاشرة على رحيل الشاب عبد الحميد شتا الذى راح ضحية للفساد والطبقية القاتلة، مع إن أباه كان على فقره شريفًا وساعده ليحقق فيما هناك الآلاف ممن توفرت لهم الظروف وفشلوا ولأنهم من أولاد الذوات.. اغتصبوا حق عبد الحميد وأمثاله.. ما الذى كان سيخسره هؤلاء الطبقيون لو أنهم حققوا له حلمه حتى لو كان أبوه عاملًا بسيطًا باليومية فى مصنع طوب فى قرية صغيرة!