أعتقد أنه حان الوقت لإعادة فتح ملف مقتل سليمان خاطر الذي قد لا يعرف اسمه الكثيرون من أبناء الجيل الذي ولد بعد منتصف الثمانينات . هذا المجند الفلاح الذي تم تجنيده في صفوف قوات الأمن المركزي مثّل مقتله لغزاً حقيقياً لدى قطاعات كبيرة من الشعب المصري . والخطوة القضائية المتمثلة في إعادة فتح التحقيق ترتبط أساساً بشهادات بعينها أسوق في مقدمتها شهادة نقيب الصحفيين السابق مكرم محمد أحمد .فالرجل تمتع بعلاقات مميزة مع المؤسسات الأمنية العسكرية والمدنية ، بالقدر الذي أتاح له القيام بانفرادات صحفية مثل لقاءه الشهير مع سليمان في محبسه . وخرج مكرم الذي كان وقتها رئيساً لتحرير مجلة المصور بخلاصة مفادها أن سليمان ابن قرية أكياد بمحافظة الشرقية يعاني من اضطرابات نفسية . وكتب في حواره المنشور قبل مقتل سليمان في السابع من يناير عام 1986 أنه لاحظ عليه أنه يغلق عينيه للحظات بطريقة غير مألوفة ، بما يكشف نفسيته المضطربة . وقد أحس الكثيرون بعد أن أعلنت الإذاعة " انتحار " سليمان أن الحوار كان المشهد قبل الأخير في حياة المجند الشاب الذي لا تزال أمه الطاعنة في السن على قيد الحياة وتريد استجلاء الحقيقة . مكرم الذي سبق وأن قام بانفراد آخر في عام1981 عندما أجرى حوارات مع شباب التيارات الإسلامية داخل السجون بتنسيق مع جهاز مباحث أمن الدولة المنحل ، أعطى بذلك تفسيراً استباقياً لحادث "الانتحار "الذي وقع لاحقاً وهز مصر بأكملها . ومع إطلاق الرواية الرسمية الخاصة بالانتحار، انطلقت رواية شعبية موازية تتحدث عن نجاح جهاز الموساد الإسرائيلي في الوصول إلى سليمان داخل محبسه واغتياله . ولكن لماذا الموساد بالذات ؟ لقد قام سليمان بإطلاق الرصاص على اثنى عشر إسرائيلياً صعدوا التبة التي يقوم بحراسة موقع عسكري فوقها يضم أسلحة ومعدات يحظر الاطلاع عليها . صعدوا إليه فردد على مسامعهم جملة " قف ممنوع المرور " باللغة الإنجليزية " " stop no passing " . قام ببساطة بتنفيذ الأوامر العسكرية التي تم تلقينها له قبل أن يتولى مهمة حراسة التبة المحظور الصعود إليها من المصريين قبل الإسرائيليين والواقعة في منطقة رأس برقة جنوبسيناء . مكرم محمد أحمد الذي انفرد كذلك بإجراء حوارات مع قادة الجماعة الإسلامية مع إطلاق مبادرة وقف العنف في العقد الأول من القرن الحالي برهن على وجود علاقة قوية مع العديد من المؤسسات الأمنية ، الأمر الذي قد يعطي شهادته اليوم بعداً جديداً خاصة بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع حسني مبارك الذي قتل سليمان في عهده . أقترح أيضاً الاستماع لشهادة عبد المنعم خاطر شقيق سليمان . هذه الشهادة تكتسب أهميتها من مشاهدته لجثمان سليمان وملاحظاته في هذا الصدد .يقول عبد المنعم أنه شاهد آثار سلك رفيع على رقبة سليمان بما يتنافى مع التقرير الرسمي الذي تحدث عن انتحاره بمشمع الفراش العسكري ، فيما ذكرت المصور في تغطيتها لحادث مقتل سليمان أنه قتل منتحراً باستخدام ملاءة السرير . التقرير الطبي الرسمي وصف سليمان كذلك ب " المختل نوعاً ما " . أحمد أبو عاصم زوج شقيقة سليمان قال إن مشاهدته لجثمان سليمان أظهرت وجود كسور في أصابعه وآثار ضرب في جانبه . الرواية الرسمية قالت إن سليمان شنق نفسه على ارتفاع ثلاثة أمتار مما يقتضي استقامة الجسد ، بينما أشار أبو إلى أن سليمان كان في وضع القرفصاء . وتساءل عن عدم وجود أي من آثار الانتحار المعتادة مثل خروج اللسان . وتفيد شهادة أبو عاصم أن من بين القتلى الإسرائيليين شخص يسمى شيلح تولى وقتها رئاسة المحكمة الإسرائيلية العليا ، الأمر الذي يعطي القضية أهمية إضافية في الداخل الإسرائيلي . بعض الصامتين الذين لم يتكلموا وقت الحادث يمكنهم أن يتكلموا الآن خاصة الذين تعاملوا مع الملف عن قرب . ويمكن أن يضم إلى الملف التحقيق الذي جرى في مستشفى السجن الذي كان يعالج به سليمان من مرض البلهارسيا . وعلى أقل تقدير هناك تحقيق لم يتم الكشف عنه حتى الآن . ففي مثل هذا الحالات يتم فتح تحقيق داخلي حول " القصور " في حماية السجين والحيلولة دون حصوله على أي شيء يمكن أن يستخدمه لإيذاء نفسه . إن الموضوع برمته تشوبه بعض علامات التساؤل والملاحظات مثل رفض طلب الأسرة بإعادة تشريح الجثمان من قبل " لجنة محايدة ". وقد قتل سليمان بعد حوالي تسعة ايام من صدور حكم بسجنه خمسة وعشرين عاماً وهو آنذاك في الخامسة والعشرين من العمر. [email protected]