لم نكد ننسى مشهد الملائكة الصغار و هم يرتعدون من برد لم تذوده عنهم ملابسهم الصيفية في شتاء قارص البرودة ، تفتق عن فكرة ارتدائهم لها أذهان أربابهم في دار الراضي للأيتام ، والذين لم يستشعروا الحرج من الوقوف بجانبهم متدثرين بكل ما من شأنه ان يبعث في أوصالهم الدفء ، غيرعابئين باستغلالهم القاسي لهؤلاء الأطفال ، في احدى المناسبات التي استخدمت في الدعاية السياسية . حتى طالعتنا مواقع التواصل الإجتماعي بفيديو تم تداولة بين مستخدمي تلك المواقع يظهر مدير " دار أيتام مكة" بمنطقة الهرم و قد تخلى عن آدميته و تفنن في تعذيب النزلاء الصغار بعصا خشبية انهال عليهم بكل ما أوتي من قوة و هو يرفعها عاليا ثم يخفضها على أقدامهم و أيديهم و ظهورهم و رؤوسهم ، ويبدو أن العصا لم تشبع غريزته السادية فكان ان انتهز فرصة سقوطهم على الأرض من شدة الضرب ليوسعهم ركلا بقدمه متغاضيا عن فروق القوى و الأعمار و متجاهلا نحيبهم و توسلاتهم و انكماشهم في ركن من أركان الدار و الدموع تنساب من مقلات عيونهم و التي كلما انهمرت أكثر ازداد هياجه أكثر فأكثر و ازدادت جرعات التعذيب والسباب بالأب والأم بالتبعية، و كأنه مصارع عتيد في حلبة مصارعة تفنن في استخدام أساليب قتال الشوارع او التي يبدو أنه اكتسبها من مصارعة الأطفال اليتامى طوال مدة عمله في الدار ! و لم لا ، و هو يعلم أن من أمن العقاب أساء الأدب ، و له من دور أيتام أخرى تفننوا أيضا في تعذيب نزلائهم قدوة سيئة، بعد أن اتخذت وزارة التضامن الاجتماعي السكوت ديدنها تجاه العديد من الانتهاكات التي طالت المراكز الأخرى ، بسبب اهمال دورها الرقابي و الاكتفاء فقط بالدور الاجرائي و العقابي عند حدوث أمر جلل كما حدث بعد هروب 13 يتيم من دار المدينةالمنورة بالعاشر من رمضان ، بسبب سوء معاملة المشرفين وتعرض الأطفال للتعذيب و الحبس الانفرادي ، و فتح تحقيق موسع بعد أن حرر أحد المرتادين على الدار محضرا ضده ، بعدما شاهد سحجات و كدمات على وجه أحد الأطفال اليتامى . و بالتنقيب في أرشيف جريدة المصريون ، طالعني مقال نشر عن شكوى قديمة عرضتها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان عن انتهاك مس ذات الدار موضوع المقال تحت عنوان " "قهر الأيتام في جمعية مكةالمكرمة" ، دون فيها أحدهم ما يحدث من انتهاكات ضد الأطفال وتعذيبهم وقهرهم داخل الدار ، واتهام المدير بأنه يعامل الأطفال وكأنه تاجر رقيق، حيث الجمال له نصيب الأسد من التبرعات ، وطالت الشكوى أيضا شخصية رئيس مجلس إدارتها ويدعى أسامة محمد عثمان، وزوجته " إلهام عيد " التي تطمع ( كما جاء في الشكوى ) في منصب مديرة الدار ، و التي اعترفت أنها صاحبة فيديو التعذيب الشهير في مقابله معها على قناة " الحياة " . كما صرحت فيها أنها حاولت أكثر من مرة الحصول على ترخيص جمعية خاصة برعاية الأيتام من أجل نقل أطفال جمعية مكة اليها . لنتأكد أن الموضوع كله لا يتعدى " سبوبة " لنهب أموال التبرعات ، و نفهم سكوتها عام كامل على تلك الانتهاكات الا عندما استدعت الظروف إزاحته عن طريقها . ماحدث في دار مكة و المدينة و غيرهم الكثير ، يجعلنا ندق ناقوس الخطر في وجه وزارة التضامن الاجتماعي ، لتتحمل المسؤلية الكاملة لتغيب الدور الرقابي و عدم الاهتمام بنوعية المربيين المفترض منطقيا حصولهم على دورات تدريبية و نفسية تؤهلهم لتحمل تلك المسئولية الجسيمة . مع العلم أن مشكلة العنف الجسدي تطال المدارس المصرية أيضا نظرا لإنتشار ثقافة العنف في الأسرة خاصة و المجتمع عامة ، و الذي يؤدي بالأطفال الى إصابتهم بالعديد من الأمراض النفسية، التي توثر على توازنهم النفسي. و لحل هذه المشكلة يجب عقد اختبارات لكل المعلمين في هذه الدور ، وعمل دورات تدريبية من جهات مختصصة في الطب النفسي والتربية والسلوك ، و دراسة كل الحلول الممكنة و منها حلول الأم او الأسرة البديلة ، و استقطاع جزء من الموارد المالية كدخل مستقبلي يخصص جزء منه للتعليم المهني و الجزء الآخر يدخر في حساب بإسمه لمواجهة متطلبات الحياة عند أوان الاعتماد على نفسه. هل ما نطالب به يمثل الكثير ؟ أما يكفي هؤلاء الأطفال غدر الزمان بهم ، و انتباذهم من أقرب الأقربين لهم و إلقاؤهم في الشوارع كما النفايات تحت رحمة الحيوانات الضالة او على أبواب الملاجئ ؟ أما يكفيهم حصولهم على الجزء اليسير من التبرعات بعد أن تمر على جيوب المشرفين لتملأها فلا يتحصلون منها الا على مايسقط منها ؟ الا يكفيهم انهم ولدوا بلا حقوق ابتداءا من حقهم في اقتران أسمائهم بأسماء آبائهم ؟ الا يكفيهم انهم دائما في اخر سلم أولويات الحكومات ان وجدوا ؟ و لا أرى ما حدث الا بابتعادنا عن قيم ديننا الذي أمرنا بالاحسان الى اليتيم و الذي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من ضم يتيما فكان في نفقته ، وكفاه مؤونته ، كان له حجابا من النار يوم القيامة ، ومن مسح برأس يتيم كان له بكل شعرة حسنة ، وورد ذكره في القرآن الكريم أكثر من 20 مرة . أكثرها التصاقا بذهني و التي أجدني أرددها باستمرار كلما قرأت عن قهر يصيب يتيما ; فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ ، فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ ، فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ .