(1) من الذي يصنع الطاغية ؟ هل هو شكل ونوعية ( النظام ) الذي يحكم من خلاله ؟ .. أم أن أي ( نظام ) بإمكانه أن ينتج الطغاة .. وبأشكال مختلفة ؟ هل هي النخب : رجل الدين الذي يُسبح بحمد الزعيم ؟ المثقف الذي يتغني بإنجازات الزعيم ، ويروج له ، ويدافع عنه ؟ رجال المال الذين يدخلون بشراكة مفتوحة معه .. ويشكلون في ظله طبقة مخملية تدافع عن الزعيم لأنها تدافع عن نفسها وامتيازاتها ؟ أم أنه ( المجتمع ) بأكمله ؟.. المجتمع الذي أنتج هذه النُخب الرديئة / الفاسدة ، ووضعها في مقدمة المشهد ! (2) أؤمن أن كل مجتمع محكوم بطاغية ، هو بشكل ما ، شارك بصنع هذا الطاغية . (3) المجتمع الذي يتنازل عن أبسط حقوقه ، ولا يُقاتل من أجل الحصول عليها .. هو يصنع طاغية في مكان ما . المجتمع الذي لا يستطيع أن يضع عينه في عين شرطي صغير ، يعمل في مخفر صغير في مكان نائي .. هو بشكل ما يشارك في صنع طاغية . المجتمع الذي يسلم رأسه لبعض النخب ( دينية عشائرية اقتصادية ) لتفكر بالنيابة عنه ، وتتحدث بالنيابة ، وتقرر بالنيابة عنه .. هو مجتمع يصنع الكثير من الطغاة الصغار الذين يخدمون الطاغية الأكبر . المجتمع الجاهل الجبان بإمكانه أن يصنع لك في كل زاوية ( طاغية ) في الحي ، في العمل ، في العشيرة ، في المسجد .. ودون شعور منه ، ولأسباب مختلفة ، يبدأ بعبادة هؤلاء الطغاة ، وتبجيلهم ، ويرى أن أي ( حق ) له يحصل عليه منهم كأنه عطاء يستحق الشكر والحمد ! (4) لا يوجد طاغية يولد طاغية ! كل الطغاة – في الغالب – يولدون طبيعيون مثلنا .. ولكن .. ما أن يتقدم هذا الإنسان – مشروع الطاغية – إلى مكان ما ( رئاسة إدارة أو رئاسة دولة ) إلا وتتجمع حوله كائنات طفيلية – أفرزها المجتمع كنخب ومتحدثة رسمية باسمه – لتبدأ بصناعته وتلميعه ونفخه ! سيجد من يفسح له الطريق .. رغم اتساع الطريق . سيجد من يضحك لحديثه .. رغم " ثقل دمه " . سيجد من يصفق لقراراته .. رغم أن بعضها غبي . سيجد من يمتدح حتى ملابسه .. رغم أن القذافي " أشيك " منه ! سيجد من يتغنى بعدله رغم الظلم ، ومن يصفق لعبقريته رغم التخلف ، ومن يصرخ ببلاهة " بالروح بالدم / نفديك يا زعيم " .. وبعدها سينتفخ هذا الزعيم ويكبر مثل ورم سرطاني في جسد البلاد والعباد لا حل معه سوى الاستئصال . (5) القاعدة تقول : المجتمعات الواعية والحرة ، من المستحيل أن تنتج لك طاغية .. وإن حدث فهو الاستثناء الذي يثبت القاعدة ولا ينفيها .. بل هي تنتج ( النظام ) الذي يمنع الزعماء من الإصابة بمرض الطغيان . وحدها المجتمعات المتخلفة والمُستعبدة ، بإمكانها أن تنتج لك " طاغية " كل يوم ! (6) العقل " الشعبي " العربي هو الذي أنتج هذا المثل : ( من فرعنك يا فرعون ؟.. قال : ما لقيت أحد يردني ) . ومع هذا ، لم يكن يكتفي بعدم رده ومنعه ، بل أنه كان يشارك بصناعته ! [email protected]