· المستقبل غامض أمام الشباب وغير واضح المعالم وأصبح كل واحد يفكر في نفسه قبل أن يفكر في الآخرين وهذا نتيجة البعد عن العمل العام.. لعدم وجود أحزاب وجمعيات قوية تضم المثقفين · في الماضي كان المثقف يستطيع التواصل مع المجتمع والسلطة كانت أعنف من الآن لكنها كانت تتقبل الحراك الثقافي داخل المجتمع السياسي.. وكانت تقابله بالعنف والاستقطاب.. بينما اليوم أصبح المثقفون غير موجودين علي الساحة وليس لهم علاقة بالمجتمع مما دفعهم إلي عزل أنفسهم عن طيب خاطر علاقة المثقف بالسلطة تشبه طرفي مغناطيس متنافرة في احيان كثيرة..وفي الوقت ذاته هناك من ينجذب إلي مغناطيسيتها وإغراءاتها وإغوائها.. ومثل هؤلاء تجذبهم السلطة إليها، ليتحولوا إلي ابواق تدافع عن سياستها، أما أصحاب المواقف والمثقفون الحقيقيون فهم بعيدون كل البعد عن اضواء السلطة ولاينجذبون إليها، بل يرفضونها لتمسكهم بمواقفهم الصلبة وافكارهم التي لايحيدون ابدا عنها، أما الخانعون والخاضعن الموالون، فلهم الاضواء والشهرة والمال. حول العلاقة بين المثقف والسلطة كان هذا التحقيق. قال الشاعر محمد رمضان: إن المثقف لم يهمش دوره في المشاركة السياسية فقط فهو مبعد تماما عن المشاركة ويرجع ذلك للظروف الاجتماعية والدولة والمثقف نفسه، ويتساءل هل الجمهور يتعاطي الثقافة مثلما كان يتعاطيها في الفترات الماضية منذ جيل عبدالله النديم والمقاومة الفكرية؟ - مستطردا: في الماضي كان المثقف يستطيع التواصل مع المجتمع والسلطة كانت أعنف من الآن لكنها كانت تتقبل الحراك الثقافي داخل المجتمع السياسي، وكانت تقابله بالعنف والاستقطاب، بينما اليوم أصبح المثقفون غير موجودين علي الساحة، وليس لهم علاقة بالمجتمع مما دفعهم إلي عزل أنفسهم عن طيب خاطر، ويؤكد رمضان أن المثقف كان بريا، لكن اليوم أصبح مستأنسا بخاطره فاليوم أصبح هناك بعض المثقفين الذين يلجمون أنفسهم بأنفسهم ويضعون السرج علي ظهورهم، لكن ماذا يفعل الأسد بلا مخالب أو أنياب، وهكذا همش المثقف واستبعد نفسه بنفسه من الساحة السياسية. ويري الشاعر محمد بغدادي أن المثقفين ينقسمون إلي ثلاثة أنواع، الأول تنجح السلطة في استقطابه ليصبح في معينها معبرا عنها ليصبح لسان حالها وبهذا نكون فقدنا الأمل في عودته إلي قيادة الجماهير أما النوع الثاني فشل في أن يضع نفسه داخل إطار السلطة، ورفض العروض التي تستأنس المثقف وتجعله جزءا من تركيبتها، أما النوع الثالث فهو يحاول من خارج هذا الإطار بجهود فردية أن يغير من الواقع من خلال عمل سياسي وفني، لكن دائما يكون محاصرا.. مؤكدا أن النظام السياسي استبعد النخب الحقيقية فليس من قبيل الصدفة أن تتقهقر الجامعة المصرية ولم تكن ضمن ترتيب 500 جامعة علي مستوي العالم ويؤكد بغدادي أن السلطة هي التي تستبعد، وبالتالي يخطط أنصاف المثقفين لحساب أنفسهم، ويتسرب الفساد بين هذه المنظومات التي تسيطر علي جميع مناحي الحياة.. وقالت الدكتورة أنيسة حسونة رئيس منتدي مصر الاقتصادي الدولي: إن هذا الأمر يرجع إلي الثقافة السائدة في المجتمع وهذه الثقافة تعتبر السياسة مجالا خاصا بالرجال والظروف الاقتصادية الصعبة تؤدي إلي أن تصبح المشاركة في العمل السياسي نوعا من الرفاهية التي لاتقدر عليها السيدات مؤكدة أن الثقافة السائدة حرمت المرأة من العمل بالسياسة. ويقول الشاعر محمد إبراهيم أبوسنة إن الاحزاب السياسية الموجودة علي الساحة منذ أكثر من 30 عاما لاتشجع المثقفين علي المشاركة لأن الذي يحدث في الأحزاب يتكرر خارجها. فالسياسيون يتناحرون علي القبض والهيمنة علي المراكز الحساسة في الأحزاب وحين يشكل المثقفون أحزابا ربما تلونها أفكارهم فينخرطون في مرض الاستبداد مؤكدا أننا مصابون منذ زمن طويل نتيجة للحكم الأجنبي المستبد، ومنذ زمن طويل نحن مرضي بفكرة الهيمنة والسلطة. مشيرا إلي كلمة قالها بودريل وهي إما أن تكون اللحم، وإما أن تكون السكين» والأوضاع في بلادنا تطبق هذه المقولة. ومن ناحية ناحيته قال أحمد زرزور أنه في الأنظمة غير الديمقراطية يستبعد الآخر سواء كان مثقفا أو غير ذلك، والذي يحدث الآن من استبعاد المثقفين شئ طبيعي، لأننا في ظل نظام لاديمقراطي من طبيعته الفكر الأحادي وكأنه صوت الله علي الأرض وبالتالي يستبعد كل المثقفين بينما الأنظمة الديمقراطية تعني الرأي والرأي الآخر، ويشير زرزور إلي أن هناك فئة من المثقفين يتم استعمالهم من جانب الأنظمة السياسية، لكي تعطي وجاهة ثقافية ولتضيف لوجهها بعض المساحيق، وهنا يؤدي المثقف دور المبرر للنظام السياسي، ويحمل أخطاءه السياسية، ويقول عكس الحقيقة وهذا يعد خيانة أمام المثقفين الحقيقيين، ويوضح زرزور أن هذا يرجع إلي عدم وجود نظام سياسي ديمقراطي يدرك مسئوليته في رعاية الشعب المصري، وهو شعب منكوب في معظم الحقب التاريخية، بسبب الأنظمة التي لايهمها سوي حصد أكبر قدر من المكاسب علي حساب الجماهير ويضيف زرزور أن مصر الآن في مرحلة انعدام وزن تماما رغم أنني لست من أنصار نظرية المؤامرة، فهناك أعداد يتربصون بمصر. وقال سعيد اللاوندي خبير العلاقات السياسية الدولية بالاهرام: أن هذا يعتبر مظهرا من مظاهر التخلف الثقافي الذي نعيشه لافتا إلي أن المثقف لم يعد له وجود علي الإطلاق مشيرا إلي أن المثقف كان يختلف مع زميله في قضايا فكرية لكن هذا الزميل إذا اتهم من قبل السلطة أنه تجاوز الحدود في ا لفكر والثقافة نجد أن خصمه يدافع عنه، وهذا ما حدث في زمن «طه حسين» عندما وضع كتابا في الشعر الجاهلي قامت الدنيا ولم تقعد واتهم بالزندقة والإلحاد إلا أن أحمد لطفي السيد دافع عنه، وكان رئيسا لجامعة القاهرة وهدد أنه سوف يقدم استقالته من منصبه إذا لم يكفوا عن ايذاء طه حسين وعباس العقاد، الذي كان خصما لدودا في مواجهة طه حسين ويشير اللاوندي إلي أنه عندما هوجم طه حسين بسبب الفكر، وجدنا العقاد وكان نائبا في البرلمان يدافع عن طه حسين ويؤكد اللاوندي أن علاقة السلطة بالمثقفين علاقة معلولة وليست في صحة جيدة علي الإطلاق ويضيف الروائي أسامة أنور عكاشة: هناك تناقض بين المثقف والسلطة، لأن المثقف يكره سلبيات أي سلطة، ووظيفة المثقف أنه كشاف، وبالتالي يكون مكروها من السلطة مما يؤدي إلي التناقض وهناك مثقفون يبيعون أنفسهم للسلطة ويتخلون عن واجبهم ويؤكد عكاشة أن السلطة تستبعد الثقافة والمثقفين من حق المشاركة من الحياة السياسية والقرار السياسي، لأنها سلطة ديكتاتورية ليس لها في الديمقراطية، بينما يقول الكاتب الروائي إبراهيم عبدالمجيد: معظم المثقفين يعملون داخل الأحزاب أما المبدعون فهم غائبون ولابد من غيابهم لأن المبدع لايستطيع أن يعمل في ظل أي حزب، لأنه أكبر من الحزب وكل المبدعين لايتحملون النظم الصارمة للأحزاب والقواعد الفكرية الثابتة والعقائدية، هم أكثر حرية وتحررا، وإذا استبعدنا المبدعين نجد أن الأحزاب تضم المثقفين من الصحفيين والنقاد والمفكرين. ويري عبدالمجيد أن المثقف المصري طوال عمره مناضل بالكتابة أو بالفعل لكن لايوجد له دور محدد فهم متفرقون ولا أري معارك ثقافية. ويقول الكاتب يوسف القعيد.. هناك أحزاب بها أمانة للكتاب والادباء والفنانين. ولكن هذا التواجد مرتبط بكونهم أدباء ومثقفين بمعني أنه لايوجد لهم تواجد سياسي في الاحزاب. ويواصل القعيد: أن أمانة السياسات في الحزب الوطني يوجد بها بعض المثقفين كأعضاء في الأمانة وهم ليسوا ممثلين للثقافة أو للأدباء والكتاب مؤكدا أن الأديب حزب سياسي قائم بذاته. وأكد الشاعر الكبير محمد التهامي: أن المستقبل غامض أمام الشباب وغير واضح المعالم وأصبح كل واحد يفكر في نفسه قبل أن يفكر في الآخرين وهذا نتيجة البعد عن العمل العام. لعدم وجود أحزاب وجمعيات قوية تضم المثقفين مشيرا إلي أن هناك موضوعا في منتهي الخطورة وهو عدم وضوح الخطوط الفاصلة بين الحكومة المدنية والحكومة الدينية ويتساءل هل من الممكن أن تكون هناك سلطة دينية تحكم الزمنية وهل ممكن للسلطة الزمنية أن تقود خطط التحرك السياسي والاجتماعي والاقتصادي دون أن تخالف القواعد الثابتة في الدين، حتي لايحدث تصادم بين السلطة الزمنية والدينية إذا المشكلة أكبر من السلطة والمثقف ويتقاسمها الجانبين. وارجعت الدكتورة زينب العسال رئيس تحرير مجلة قطر الندي، ما يحدث علي الساحة إلي السلطة التي لاتأخذ الأديب أو المثقف بعين الاعتبار فلا يوجد قرار يطرح علي المثقفين، إذا لابد أن يكون له دور في كل اللجان ولابد أن نهتم ونقدم ونرعي المثقف في وسائل الإعلام وتواصل العسال: حينما لاتعي الأمة قدر المثقفين يبتعدون عن الساحة وأدانت المثقف الذي يتعامل مع السلطة وفي هذه الحالة يكون جزءا من نظام السلطة والمثقف الخارج عن السلطة الذي يعارضها وفي كل الأحوال لايوخذ برأيه ويظل مهمشا.