يقصد بمهارة إدارة الموارد المالية الموازنة بين بنود الإنفاق المختلفة، وعمل الميزانية وحُسن استخدام الخدمات الاقتصادية والمحافظة على المدخرات وتنميتها. وإدارة الموارد المالية تعني إجادة التصرف في الموارد المتاحة بشكل أكثر نفعاً بما يساعد على مواجهة متطلبات الحياة وتحقيق الأهداف.. ونظرة التربية الإسلامية إلى هذه المهارة نظرة متميزة تقوم على التوازن. اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، وفي نفس الوقت اعمل لآخرتك كأنك تموت غدا، نظرة تقوم على الاعتدال والتوازن، ليس فيها إفراط ولا تفريط، نظرة تحارب البخل، وفي نفس الوقت تحارب الإسراف، بل تجعل المبذرين إخوانا للشياطين.. نظرة تقوم على الإشباع المعتدل الذي يؤدي إلى اعتدال الصحة وهذا ما يؤديه الصيام بالضبط، ولا تقوم على النهم والإسراف الذي يؤدي إلى الخمول والكسل والدعة، ومن ثم اختلال واعتلال الصحة.. نظرة تقوم على التدريب الراقي لإدارة الموارد بطريقة تراعي متطلبات الدين والدنيا، وتراعي متطلبات الجسد والروح معا.. ولا ريب أننا في أمس الحاجة إلى هذه المهارة وفق منظور التربية الإسلامية، خصوصا في هذا العصر الذي يتسم بحدوث تحولات ومتغيرات ومفاجآت كبرى، تستدعي منا التوازن.. إن التربية السليمة تتطلب إكساب الشباب المسلم حقائق وقيماً ومهارات واتجاهات معينة، منها الاتجاه نحو ترشيد الاستهلاك. وحيث إن كثيرًا من المعلومات والبيانات المتعلقة بترشيد الاستهلاك وتوجيه المستهلك وتكوين الاتجاهات السليمة لديه ليست فطرية وإنما مكتسبة، فلابد إذن، من دراستها وممارستها وربطها بجوانب الحياة اليومية ومتطلباتها الأساسية، حيث إن المسلم فرد في أسرة، مستهلك للغذاء والملابس واللعب والمصروف وممتلكات الأسرة من أجهزة وأدوات؛ لذا فإن الاهتمام بمراقبته وتوجيه سلوكه التوجيه السليم أمر ضروري حتى يمكنه أن يشارك بنصيب من الجهد والعمل في تنظيم الاستهلاك. وترشيد الاستهلاك والبعد عن الإسراف في الإسلام واجب ديني، يجب على المسلم الالتزام به، وجاء الصيام في الإسلام ليؤكد على تلك المعاني السابقة، وفي ذلك يقول الله تعالى: (وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا. إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) (الإسراء: 26-27) حتى إن الإسراف في القتل حرمه الله، يقول تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) (الإسراء:33)، ويقول: (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأنعام: 141)، وقال: (يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف: 31)، وقال أيضا: (وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) (يونس:83) وقال: (ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ) (الأنبياء:9)، وقال: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) (الفرقان: 67)، ويقول: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) (غافر: 28)، وقال: (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ) (غافر: 34)، وقال في نفس السورة: (لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآَخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ) (غافر: 43) وغيرها من الآيات الدالة على تحريم الإسراف والتبذير كثير.. كل ذلك أدعى بأن نجعل من ذلك كله منهاجا لحياتنا.. إننا في حاجة ماسة لاستلهام معاني الصيام الحقيقة، وليس كما يحدث الآن، من إسراف منقطع النظير في شهر رمضان، بحيث إن وزارات التموين والامتدادات الغذائية في الدول الإسلامية، تستعد لشهر رمضان قبل مجيئه بعدة شهور وكأنه شهر الاستهلال والبذخ، الأمر الذي يكلف ميزانيات دولنا الكثير من الأعباء على أعبائها..
* المدير التنفيذي لرابطة الجامعات الإسلامية – عضو اتحاد كُتَّاب مصر