تلقت جماعة "الإخوان المسلمين"، ضربة قوية في الأسبوع الماضي، بعد قرار رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بفتح تحقيق في ممارسات الجماعة وتنظيمها الدولي على الأراضي البريطانية، ومدى إمكانية تورطها في أعمال تضر بالأمن البريطاني، مسندًا التحقيق إلى لجنة من ثلاثة أشخاص، أبرزهم رئيس مخابرات، اشتهر بلقب "جيمس بوند"، فيما كلفت الجماعة المحامي البريطاني الشهير، كيف ماكدونالد، بمتابعة الملف والدفاع عنها. وقال محمد سودان، أمين العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية لجماعة "الإخوان"، المتواجد في بريطانيا، إن "ماكدونالد سيحضر التحقيقات وسيتولى اتخاذ الإجراءات القانونية الضرورية في حالة إصدار الحكومة البريطانية قرارا ضد الجماعة". لكن سودان نفى في تصريحات لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، أن تكون الجماعة متجهة إلى اتخاذ أي إجراءات قانونية في هذه المرحلة ضد قرار كاميرون بإجراء مراجعة لملفها. فيما أصدر مكتب الإعلام التابع للإخوان المسلمين في لندن بيانًا أعرب فيه عن استعداد الجماعة للتعاون مع كافة الجهود للوقوف على منهاجها ومواقفها. ودعا الحكومات والدول الغربية إلى الانتباه لما اعتبره "الضغوط التي يمارسها الانقلاب العسكري في مصر، من أجل تزييف الحقائق بشأن الجماعة والأوضاع في البلاد من أجل أن تحيد هذه الحكومات عن مواقفها الثابتة في نصرة المظلومين". يأتي ذلك في ظل وجود عدد من قادة الجماعة البارزين في العاصمة البريطانية لندن وفي مقدمتهم الرجل القوي في التنظيم الدولي إبراهيم منير، ونائب المرشد جمعة أمين عبدالعزيز، ورئيس تحرير موقع "رسالة الإخوان" محمد غانم، و"الرجل الحديدي" في الجماعة محمود حسين الذي يتنقل بين عدد من العواصم الأوروبية ويزور لندن بشكل متكرر. ودفعت تلك الإجراءات الجماعة إلى تكثيف اتصالاتها بدوائر الحكم البريطاني والتأكيد على عدم صلة الجماعة بأي ممارسات إرهابية، مشددة على استمرارها في تبني نهج السلمية في تعاطيها مع التطورات السياسية في مصر ومواجهة الحكم العسكري وهي محاولات قد لا يكتب لها النجاح في ظل الضغوط التي تمارسها المملكة العربية السعودية على حكومة كاميرون لإدراج الإخوان ك "منظمة إرهابية"، في ظل تهديدات سعودية بإعادة النظر في حزمة استثمارات ببريطانيا تتجاوز 10مليارات دولار. وقدمت الرياض وثائق للحكومة البريطانية تثبت وجود علاقة بين جماعة "الإخوان" والتفجير الذي استهدف حافلة سياحية خاصة بسياح كوريين بينهم ثلاثة حاصلون على الجنسية البريطانية، ما دفع رئيس الوزراء البريطاني إلى إصدار قرار بالتحقيق في أنشطة الإخوان، وتكليف السفير السعودي السابق لدي الرياض ديفيد هينكيز برئاسة لجنة التحقيق، بشكل يؤكد فرضية إدانة الجماعة التي بدأت من الآن البحث عن مقر جديد لها بعد تصاعد احتمالات إجبارها على مغادرة الأراضي البريطانية. وتحركت "الإخوان" في أكثر من اتجاه، من بينها مخاطبة الحكومتين التركية والقطرية للتدخل على خط الأزمة مع الحكومة البريطانية لضمان حيادية وموضوعية التحقيق الذي سيجري في ممارسات الجماعة، فضلًا عن التدخل لدي عواصم أوروبية مهمة لإيجاد بديل لإقامة قادة الجماعة بنفس التسهيلات التي كانوا يتمتعون بها في لندن. وهي مهمة تبدو صعبة لكل من الدوحة وأنقرة، في ظل تصاعد الضغوط السعودية الإماراتية لإدراج الجماعة في قوائم الإرهاب، ما تكلل في اتخاذ خطوة كندية مشابهة لما اتخذته المملكة والإمارات ومصر بشكل صعد الضغوط على الجماعة. يأتي هذا في الوقت الذي أكدت فيه مصادر مطلعة أن "الإخوان تلقت عرضًا من الحكومة الماليزية بإقامة مقر للجماعة في أراضيها بديلًا عن المقر البريطاني". غير أن حكومة رئيس الوزراء الماليزي نجيب رزاق اشترطت على الجماعة عدم ممارسة السياسة على أراضيها وعدم تبني مواقف تزعج القاهرة، بشكل دفع التنظيم الدولي لإعطائه مهلة للتفكير في هذا العرض والبحث عن سبل لتسوية الأزمة مع الحكومة البريطانية، بحسب المصادر. فيما وصلت المفاوضات بين جماعة "الإخوان" والحكومة السودانية لطريق مسدود إثر اعتذار الخرطوم عن استقبال قادة الجماعة بسبب حساسية مواقفها من القاهرة، وارتباط النظامين المصري والسوداني بعدد من الملفات المعقدة التي قد تضر بمصالح الدولتين، على الرغم من موقف الرئيس عمر البشير الذي لا يبدي ارتياحًا لما حدث في مصر بعد الثالث من يوليو إلا أنه يبدو حريصًا على عدم التحول لطرف في الصراع الدائر بين القاهرة وجماعة الإخوان. من جانب آخر، عرقلت الخطوة البريطانية خطوات لحصول عدد من رموز التحالف الوطني لدعم الشرعية على إقامات قانونية في العاصمة البريطانية لندن، وهم: الدكتور محمد جمال حشمت، القيادي في جماعة الإخوان، والدكتور محمد محسوب، نائب رئيس حزب الوسط، والوزير السابق وعدد من قيادات الجماعة الإسلامية الذين طالبت مصر قطر بتسليمهم إياها وهو ما ردت عليه الدوحة بعدم وجودهم في أراضيها. ومن المرجح انتقال قيادات "الإخوان" المتواجدين في قطر إلى تونس، والتي ستصبح مركزًا جديدًا، اعتمادًا على دعم حزب "النهضة" -إخوان تونس- لهم، وتصريح الشيخ راشد الغنوشي، زعيم الحركة في وقت سابق لإذاعة "شمس إف إم" التونسية، بأنّ تونس قد تمنح اللجوء السياسي، إذا طالب بذلك الإخوان في مصر، لأنّها تلتزم بدعم اللاجئين، وبالتالي تنطبق عليها ترتيبات إعطاء اللجوء السياسي لمن يستحقه. وأكد كمال حبيب، الخبير في شئون الحركات الإسلامية، أن تونس هى الأقرب لانتقال قيادات الإخوان إليها في ظل الضغوط الخليجية على قطر والتحقيقات البريطانية حول أنشطة الجماعة. وقال إن التحقيقات البريطانية لن تكون في صالح الجماعة، وبالتالي ربما تجد الجماعة نفسها مطالبة بالخروج من لندن خشية الملاحقة الأمنية والمحاصرة الاقتصادية، لافتًا إلى أنّ تونس تعدُّ الأنسب في ظلّ وجود “حركة النهضة” الإسلاميّة وزعيمها الغنوشي الذي سبق وأعلن استعداده لمنح اللجوء لإخوان مصر. في السياق ذاته، قال سامح عيد، الباحث في شئون الحركات الإسلامية، إن مضي لندن في إجراءات التصعيد لن يضيق الخناق بشكل تام، حيث سيظل قادة الجماعة يتنقلون بين قطر وتركيا وماليزيا والسودان وتونس في ظل موافقة راشد الغنوشي على استضافة بعض قادة الجماعة. من جانبه، اتهم الدكتور خالد سعيد، الأمين العام للجبهة السلفية القيادي في التحالف الوطني، دولًا عربية بالتدخل لدى بريطانيا لاتخاذ خطوات متشددة ضد جماعة "الإخوان" وإدراجها في قوائم الإرهاب بعد فشل أساليب الترغيب والترهيب التي استعملتها هذه الدول ضد التحالف في الداخل والخارج في ثنيه عن معارضة النظام القائم حاليًا في مصر. وتابع: "هذه الدول تخشي بشدة من إمكانية سقوط سلطة ما بعد 30 يونيه، لذا لا تترك أي وسيلة إلا واستعملتها لتثبيت أركان الحكم القائم"، متعهدًا باستمرار التحالف في نهجه السلمي لاستعادة المسار الديمقراطي. من جانب، استبعد الدكتور أنور عكاشة، القيادي الجهادي، استمرار بريطانيا في خط التصعيد مع الإخوان لنهايته فهي قد تضغط لانتزاع تنازلات من الجماعة وتعهدات بعدم التورط في أي ممارسات معادية لمصالحها في داخل أو خارج الأراضي البريطانية لاسيما أن الأمر قد لا يتعلق ببريطانيا وحدها بل يخضع لتوازنات عالمية بشكل يجعل أي إجراءات ضد الجماعة ذات أثار محدودة. وتابع عكاشة: "رغم أن العلاقات بين الإخوان والحكومة البريطانية متوترة منذ الحقبة البريطانية، حيث كانت بريطانيا تعتبر الإخوان قادة المقاومة ضدهم ومن مهدوا للثورة عام 1952ضدها، وقيام لندن وفي مخالفة القانون الدولي بتسليم شخصيات إسلامية تقيم في أراضيها من العرب الأفغان إلا أني اعتقد أنها لن تسير في شوط التصعيد لآخره مع الإخوان".