أذكر أني كتبت هنا بعد نجاح ثورة تونس.. إن تونس "انتصرت لهويتها".. وبعد نجاح ثورة 25 يناير .. فلابد أن تنتصر مصر أيضا لهويتها.. النظام السابق لم يكن نظاما ضد كرامة مصر وحسب وإنما كان ضد هويتها أيضا. هوية مصر لا يقررها أحد.. وإنما حقائق التاريخ والجغرافيا.. غير أن ثمة واقع من المفترض أن يعمل وفق هذه الحقائق، لا يستقي شرعيته إلا منها وإلا بات غير شرعي ولقيط لا يحمل ذات الجينات الوراثية التي تؤكد نسبه لعروبة مصر وهويتها الإسلامية. والمسألة هنا ربما يكون "عنوانها" في اسم وزير الثقافة، والرحم الفكري الأيديولوجي الذي خرج منه.. والتجربة المصرية في الثلاثين عاما الأخيرة ثرية وغنية بالدلالات المهمة في ذلك الشأن. ولقد كان صادما حقا، أن تتحرك وزارات ما بعد الثورة في ذات الدوائر اليسارية المتطرفة والمعادية لهوية مصر، حال شرعت في فرز المرشحين لتولي حقيبة الثقافة.. وكأن "شلة" فاروق حسني هي التي تعشش وتعبث في عقل ووجدان من يُسند إليه مهمة ترشيح الوزير الذي من المفترض أن يتولى هذه الوزارة الأهم والأخطر في مصر كلها. حتى عندما اختير "الصاوي" وزيرا في حكومة أحمد شفيق المقالة.. تحركت مليشيات فاروق الحسني ونظمت حملات إعلامية وصحفية، تنتقد هذه الاختيار، ورشحت أسماء أخرى رأت انها الأحق بتولي المنصب.. وكلها أسماء شاركت بشكل مباشر في إفساد الحياة الثقافية في مصر، بل إنها ربما تكون تسمنت في حظيرة فاروق حسني الشهيرة.. بل إن بعضهم ممن يطلق عليه صفة أديب أو روائي لم يكمل تعليمه وأقصى شهادة علمية حصل عليها هي "دبلوم صنايع".. ويريدون أن يتولوا وزارة الثقافة! ويبدو لي أن رئيس الوزراء الجديد والمكلف، لا يعرف جيدا الخريطة الثقافية في مصر، وليس على اطلاع جيد بالمعارك الثقافية حول هوية مصر، ولا بأطرافها على نحو يسمح له أن يتخذ قرارا مستقلا بشأن من يراه مناسبا لتولي منصب وزير الثقافة، فاعتمد على استطلاع رأي البعض.. ولعله استمع إلى مستشاره الخاص "يحي الجمل".. وهو شخصية قريبة من التيار العلماني المتطرف، ويرتبط بعلاقات وثيقة مع مجتع "الشللية" الثقافية والإعلامية والصحفية في مصر.. ومن المؤكد أنه هو الذي رشح وزير الثقافة الجديد رفيقه السابق بحزب التجمع والذي يعتبر واجهة معبرة عن اليسار المصري المتطرف المعادي لعروبة مصر وهويتها الحضارية.. ويحمل ذات الجينات الثقافية الفكرية التي أفسدت النخبة المصرية، وأحالتها إلى "خدم" في بلاط صاحب الحظيرة الشهير. ويبدو لي أن لا حل لهذه المشكلة الآن، إلا بعد تشكيل حكومة منتخبة، إن شاء الله لاحقا، تعبر تعبيرا صادقا عن وجدان وضمير المصريين .. وحرصهم على أن لا يتولى هذه الحقيبة إلا من يحترم دينهم وهويتهم العربية والإسلامية. [email protected]