لم يعد يمر يوم إلا وتتردد أبناء عن مغادرة عدد من رموز "الجماعة الإسلامية" مصر عبر طرق مختلفة، كان آخرهم رئيس مجلس شورى الجماعة بالخارج رفاعي أحمد طه، والذي غادر إلى تركيا، ولحق به محمد شوقي الإسلامبولي، عضو مجلس الشورى وشقيق خالد الإسلامبولي قاتل الرئيس الأسبق أنور السادات، لينضما إلى عدد من قادة الجماعة الموجودين بالخارج ومنهم المهندس عاصم عبدالماجد، والدكتور طارق الزمر، والقياديان إسلام الغمري وسمير العركي. وأثارت مغادرة قادة ورموز الجماعة ومن بينهم قيادات تاريخية تساؤلات حول الطرق التي غادروا فيها مصر، وما إذا كان الأمر يأتي في إطار حلقة جديدة من "الهروب الجماعي"، في تكرار لسيناريو الثمانينات حين سمحت الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر لعدد من كوادر الجماعة بالخروج من البلاد عبر المملكة العربية السعودية ومنها إلى أفغانستان وباكستان وغيرها. ويرتبط تاريخ رفاعي طه، والإسلامبولي بنوع من الثأر مع أجهزة الدولة؛ فالأول لم ينس له النظام السابق قيادته لأذرع "الجماعة الإسلامية" في الخارج ووقوفه وراء عمليات طالت مصالح مصرية، سواء في الداخل والخارج كان أهمها محاولات اغتيال الرئيس المخلوع حسني مبارك في أديس أبابا 1995 والأقصر عام 1997. وكان يعتقد على نطاق واسع أن طه الذين كان محبوسًا بسجن المنيا لن يتم الإفراج عنه لولا نجاح ثورة 25 يناير في إسقاط نظام مبارك وتفكيك جهاز أمن الدولة، حيث كان تعتبره أجهزة النظام من أخطر أعداء النظام، إلى جانب الدكتور أيمن الظواهري وأحمد عجيزة وعبود وطارق الزمر ومحمد شوقي الإسلامبولي. بل أن رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية السابق في الخارج مازال يحاكم محاكمة في قضية "العائدون من أفغانستان"، والصادر فيها ضده حكم بالإعدام بعد أن كان قد برأته المحكمة العسكرية من قضية "العائدون من ألبانيا" في مايو من 2012 بصحبة عدد من قادة الجماعة والجهاد ومن بينهم الدكتور سيد إمام الشريف المكنى بالدكتور فضل، والمهندس محمد الظواهري، والرائد المتقاعد عبد العزيز الجمل ومحمد شوقي الإسلامبولي. وجاء الإعلان عن خروج الإسلامبولي أيضًا إلى تركيا في إطار سياق عدائي بين الدولة وجهاز الأمن الوطني، فشقيق السادات المختفي منذ فض اعتصام رابعة وإلقاء السلطات القبض على المهندس مصطفى حمزة، قائد الجناح العسكري للجماعة الإسلامية ومهندس أغلب عملياتها. والإسلامبولي الذي أفرج عنه أيضًا بعد ثورة يناير يتم إعادة محكمته أمام محكمة جنايات القاهرة في قضية "العائدون من أفغانستان" بعد أن كانت المحكمة العسكرية قد برأته من حكم بالإعدام في قضية "العائدون من ألبانيا" بشكل دفعه لمغادرة مصر التي غاب عنها منذ العام 1987متنقلًا بين أفغانستان وباكستان وإيران التي واجه فيها الإقامة الجبرية لسنوات فقد خلالها زوجته قبل أن يعود إلى مصر بعد سقوط نظام مبارك وتطلق المحكمة العسكرية سراحه، بل تبرئته من القضية في مشهد دراماتيكي قبل فيه قاضي المحكمة العسكرية رأس السيدة والدته وداعبها بالقول "ستغادرين المحكمة بصحبة نجلك الأكبر". وتثير مغادرة قادة الجماعة الميدانيين ومن لهم علاقة بالجناح العسكري للجماعة الإسلامية ومن ارتبطوا بصلات مع تنظيم "القاعدة" خلال السنوات الأولى لتدشينه تساؤلات عن الأسباب التي حدت بهؤلاء القادة خصوصًا رفاعي طه، وشوقي الإسلامبولي، وإسلام الغمري، والأخير معروف عنه أن الذراع اليمنى للمهندس مصطفى حمزة، أحد أهم قادة الجناح العسكري للجماعة على مدار تاريخها إلى مغادرة البلاد، وعن أسباب استهداف الأمن لهم وإصداره أمر ضبط وإحضار لهم خصوصًا أن عددًا منهم مفرج عنهم على ذمة بعض القضايا. ويجيب على هذا التساؤل الدكتور عمار علي حسن، المتخصص في شئون الحركة الإسلامية، بالقول "يبدو أن أجهزة الأمن قد سعت للقبض على عدد من القادة الميدانيين للجماعة الإسلامية ومن يملكون الخبرات والقدرات والصلات التنظيمية على إعادة بناء أذرع عسكرية للجماعة الإسلامية، وهو ما يفسر إلقاء القبض على المهندس مصطفى حمزة في منزله عقب فض اعتصام رابعة". وأشار إلى أن القبض على حمزة عد ساعتها اعتقالَا تحفظيًا خصوصًا أنه لم يقدم حتى الآن للمحاكمة ولم توجه له أي تهمة محددة باستثناء الحض على العنف، ولكن يبدو أن المخاوف من قدرته التنظيمية وتاريخ عدد من قادة الجماعة ومخاوف الأمن هي من دفعتهم لمغادرة البلاد والبقاء بعيدًا لمدة حتى تجلو الأمور خصوصًا أنهم أمضوا عقودًا طويلة خارج مصر. في السياق ذاته، نفى المهندس صلاح هاشم، عضو مجلس شورى "الجماعة الإسلامية"، ما يتردد عن وجود مخطط لخروج منظم ومتتالٍ لقادة الجماعة الإسلامية من مصر مشددًا على أن مخاوف العديد منهم من تعرضه للتنكيل ووجود قضاء متهم بالانحياز للسلطة ووجود محاكمات لعدد منهم على ذمة قضايا واحتمالات إدانتهم فيها بشكل سريع قد حال استمرارهم في مصر ومواجهة المحاكمة على التهم الموجهة إليهم. وتابع "قادة الجماعة لم يغادروا مصر بشكل جماعي بل أن أغلب أعضاء مجلس الشورى الجماعة، ومنهم الدكتور عصام دربالة، رئيس المجلس، ونائبه المهندس أسامة حافظ، والشيوخ عبود الزمر وعلي الدنياري، وعبد الآخر حماد، وأبرز رموز الجماعة موجودون في مصر ولن يغادروها". ورفض هاشم الرد على تساؤل حول ما إذا كانت مخاوف الأمن من قدرات هؤلاء على بناء أذرع عسكرية في الخارج هي من دفعته لإدراج أسمائهم في قوائم الممنوعين من السفر، مشيرًا إلى أن الجماعة الإسلامية طوت صفحة العمل المسلح ولن تعود إليه مجددًا التمسك بالسلمية.