عندما تشتري جهة ما صحيفة فهي لا تفكر في تحويلها لجمعية خيرية. صناعة الإعلام والإستثمار فيه ليس لعبة ولا يوجد من يقتحمها ليخسر أو ينفق عليه تاركا لرئيس التحرير أن يفعل فيه ما يريد أو يؤجره من الباطن مقابل ما يدخل جيبه وحده! الدكتور السيد البدوي رئيس حزب الوفد والمالك الجديد لصحيفة "الدستور" مع مجموعة مساهمين آخرين، هو رجل يستثمر في الإعلام وحقق نجاحا ملحوظا في مجموعة قنوات "الحياة" التي أصبحت المنافس الأول لكبرى القنوات الفضائية العربية. وليس معقولا أن نتوقع منه الخضوع لأهواء جماعة إبراهيم عيسى في "الدستور" التي حولتها إلى شقة مؤجرة بالقانون الجديد. أراد عيسى وبعض الصحفيين المنتمين إليه أن يظهر بطلا في اللحظات الأخيرة قبل أن يتوارى نهائيا عن المشهد، وهو أمر توقعناه منذ آلت الأمور لبدوي والملاك الجدد، فامتطى شماعة مقال البرادعي وهو عادي جدا لمن قرأه على موقع "الدستور" الذي ظل تحت سيطرة ميليشيات إبراهيم عيسى حتى لحظة كتابة هذا المقال. لكن البدوي ضيع عليه تلك الفرصة فأكد في مؤتمره الصحفي أن المقال سينشر اليوم وكان قد طلب قراءته عندما نما إلى علمه أنه يذكر فيه "القوات المسلحة".. وهذا حقه كمالك للصحيفة فهناك ضوابط ومعايير لابد من مراعاتها في تلك الأمور لتفادي المساءلة القانونية. وقال أيضا ردا على من حاول منح إبراهيم عيسى بطولة التضحية بمنصبه في سبيل نشر مقال الدكتور سليم العوا الممنوع في "المصري اليوم" إنه هو الذي – أي البدوي – من سمح بنشر ذلك المقال وأخبر عيسى أنه يتحمل المسئولية معه. المشكلة كلها أن "الدستور" خاسرة بمنطق الصحف، فلا إعلانات فيها، وعندما اشتراها الملاك الجدد كان المالك السابق عصام فهمي يبحث عن مشتر ليتخلص من الخسارة المستمرة. رواتب صحفيي الدستور هي الأقل بين صحفيي الصحف الخاصة، بينما راتب إبراهيم عيسى أعلى من رواتب زملائه رؤساء تحرير الصحف الأنجح بلغة السوق، وقد وصل حتى إقالته أمس إلى 75 ألف جنيه حسب تصريح السيد البدوي وسيظل يحصل عليه دون نقصان بجميع الميزات العينية مع استمرار مقاله في نفس المكان بالصفحة الأولى. وفي الشهر الماضي أثناء حفل إفطار أقامه بأحد الفنادق على شرف صحفيي الدستور عرض البدوي على إبراهيم عيسى رفعا كبيرا في رواتب المحررين، والمفاجأة أنه رفض ذلك العرض حتى لا يفسدهم، فيما أوعز إلى جماعته بالكتابة في المنتديات عن طلبه رفع الرواتب للايحاء بأنه من الأسباب الرئيسية لإقالته! والواقع أنه لم يطلب سوى رفع راتب صديقه رئيس التحرير التنفيذي إبراهيم منصور من 12 ألف جنيه إلى 30 ألفا، وشقيقه شادي عيسى من 6 آلاف جنيه إلى 12 ألفا وهو محرر مبتدئ وكذلك إحدى الصحفيات. إذاً ما تعانيه "الدستور" هو الفساد الإداري حسب تعبير البدوي. ومن حقه أن يتدخل للإصلاح، ومن حكم في ماله ما ظلم. المستغرب أن يقاومه بعض صحفيي الصحيفة ويعلنون تمسكهم بعيسى ورفض أي رئيس تحرير آخر، وهو أمر لا يمكن تصوره في صناعة الإعلام أو الصحف. ربما يتمترس هؤلاء بأن النقابة تحميهم، لكن هذا غير صحيح لأنه يتناقض مع الأصول المهنية والضوابط ويقاوم تطبيق القانون، فتعيين رئيس تحرير إو إقالته حق أصيل من حقوق مجلس الإدارة الذي يمثل المساهمين. أتفهم حزن السيد البدوي الذي جعله يستقيل من رئاسة المجلس فقد تعرض حسب قوله لابتزاز مادي وإرهاب فكري من بعض صحفيي الدستور الموالين لإبراهيم عيسى رغم أنه ضاعف مرتبات الصحفيين العاديين خلال أقل من شهرين من شرائه الصحيفة إلى 100% وصحفيي الصف الأول إلى 200%. أراد راكبو خيول البطولة الدنوكشوتية خداع الرأي العام بأن عيسى ذهب ضحية للوبي التوريث، وهو ما رد عليه السيد البدوي بأن لا مصالح له مع أحد ولا توجد دوافع سياسية وإنما رغبة المساهمين في انتشال الصحيفة من خسارتها بسبب عدم وجود إعلانات تغطي الفارق بين التوزيع ومصروفات ومرتبات الصحفيين. لا يمكن لشقة مفروشة تؤجر من الباطن أن تكسب شيئا وهذه مشكلة دستور إبراهيم عيسى، وعنوان فسادها الإداري. [email protected]