دغدغ الرئيس الأمريكى باراك أوباما مشاعر الفلسطينيين والعرب عندما قال فى خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ أيام انه يأمل إذا سارت المفاوضات بين الفلسطينيين وبين الصهاينة أن تنضم دولة جديدة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة هى فلسطين. وقد ضغطت أمريكا بكل ثقلها على العرب، خاصة دول الجوار؛ مصر والأردن وعلى بقية دول الجامعة العربية فى اللجنة العربية لكى تعطى غطاءً عربياً لمحمود عباس كى ينتقل من المفاوضات غير المباشرة التى لم تثمر شيئاً ولم تحقق تقدماً إلى المفاوضات المباشرة التى بدأت بالفعل وفى جولاتها الثلاث فى أمريكا وشرم الشيخ ثم للأسف فى القدس ولم تحقق أى بارقة أمل حتى الآن. تتعثر اللقاءات وتنكسر على صخرة الاستيطان، وكأن المفاوض الفلسطينى انهار سقفه تماماً ليصبح أكبر آماله هو تجميد الاستيطان لمدة 3 شهور أو أربعة شهور، وليس وقف الاستيطان تماماً أو إزالة المستوطنات فما بالنا باستعادة الحقوق الفلسطينية. وتتضارب تصريحات السيد عباس، فمرة يقول أمام اليهود الأمريكيين إنه لن ينسحب من المفاوضات حتى لو لم يتم تجميد الاستيطان، ثم يتراجع فوراً بعد ساعات ليعلن أنه لن يستمر فى المفاوضات مالم يتم تمديد قرار تجميد الاستيطان. ويعلم عباس وفريقه المفاوض تمام العلم أن الاستيطان لم يتوقف مطلقاً وأن التمدد الاستيطانى ابتلع ما يزيد على ربع الضفة الغربية وأحاط بالقدس التى يعلن العدو الصهيونى أنها خارج أى قرار يتعلق بالاستيطان، بل يعلن بكل قوة وجرأة أنها خارج أية مفاوضات. ويخرج علينا وزير خاريجة العدو "ليبرمان" ليفصح بكل وقاحة ويصفع وجوه القادة العرب الذين يرعون المفاوضات ويشجعون عباس على الجلوس إلى مائدة المفاوضات بأن يهودية الدولة لا تراجع عنها وأنها تعنى بوضوح تهجير 20 % من العرب الذين ما زالوا يتمسكون بأرضهم التى احتلها اليهود عام 1948 م . إذا نظرنا إلى المشهد بكل تفاصيله فإن الأمريكيين و معهم الصهاينة يتصورون أن تلك المفاوضات هى الأمل الباقى فى تصفية القضية الفلسطينية والحصول على صك التنازل النهائى من آخر رموز منظمة التحرير الفلسطينية وأضعف حلقاتها قبل أن يتخلصوا منه ويقوم السيد سلام فياض بما يتبقى من المهمة وهو بناء دويلة هزيلة ضعيفة ليس لها من إمكانات الدول أى مقومات، لا سيادة على الأرض، ولا سيطرة على الموارد المائية، ولا جيش، ولا موارد مالية ولا اقتصاد حقيقى، ولا تماسك جغرافى ولا تواصل مع بقية فلسطين، مهمتها هى حماية أمن الدولة اليهودية ووظيفتها توزيع المعونات والمنح التى تصلها من أوروبا وأمريكا والبنك الدولى على شعب من اللاجئين لكى تضمن بقاءه فى الحد الأدنى من الحياة لا يثور ولا يغضب ويحوّل غضبه إلى العدو الصهيونى. إنهم يكيدون كيداً، والله من ورائهم محيط. إنهم يمكرون، ويمكر الله، والله خير الماكرين. لقد تصوروا إن اللحظة التاريخية الحالية هى أثمن اللحظات وأفضلها لتنفيذ المرحلة الأخيرة من تصفية قضية فلسطين. نظام عربى رسمى متراجع، يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يعطى الغطاء الرسمى لكل ما يتم من مفاوضات غير مباشرة ثم مباشرة فى حضور سفيرة أمريكا بالقاهرة. وضع عربى مهلهل تماماً، فالأطراف فى الدول العربية منهكة بقتال مرير والدول تتفكك وتحلل إلى شظايا وتنقسم إلى دويلات، السودان على أبوب استفتاء سيقرر تقسيمه إلى دولتين، واليمن يشهد صراعاً مريراً من أجل انفصال الجنوب من جديد، بين نيران ما يُسمى تنظيم القاعدة، وبين مظاهرات الحراك الجنوبى التى تريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. والصومال لا تهدأ فيه الصراعات، حتى بين الأطراف المتحالفة فى الحكومة المؤقتة، والقوات الأفريقية تتدفق إلى أراضيه وأنهار الدم لا تتوقف. وموريتانيا تشهد حرباً يشنها الجيش على تنظيم القاعدة، والعراق يعانى من شلل سياسى وتفجيرات متتالية أعادت الأمور إلى نقطة الصفر تقريباً. والدول العربية الكبرى مشغولة بهمومها الداخلية، مصر تبحث عن طريق آمن لانتقال السلطة، والفساد ينخر فيها فى كل المجالات،ووصلت إلى انسداد سياسى وأفق مسدود. والأردن مشغول بنفسه يريد حماية دولته من فكرة الوطن البديل، ولبنان كلما هدأت الأوضاع انفجرت من جديد، حيث يُراد له الوقوع فى الفتنة المذهبية وحرب الطوائف. وأصبح العرب مشغولون بالخطر الشيعى المرتقب أكثر من أنشغالهم بالخطر الصهيونى الواقع الجاثم على صدورهم منذ عقود. وأجواء المنطقة تنذر بحرب وشيكة على إيران، يتم التمهيد لها على مراحل وصفقات السلاح تنهمر بالمليارات على أمريكا وأوروبا من دول الخليج وكأن ترسانة الأسلحة المكدسة فى مخازن الجيوش لا تكفى لسد جوع المجمع العسكرى الصناعى فى أمريكا وأوروبا، ولا يعرف أحد إلى متى يتم تكديس ذلك السلاح ومن سيستخدمه وضد من وفى أية حروب؟ وصاحب ذلك كله تراجع عن وعود ديمقراطية بانتخابات حرة دورية وحماية لحقوق الإنسان، فارتفعت صيحات مقاطعة الانتخابات فى الأردن ومصر وستنتقل إلى غيرها من البلاد. فى ظل تلك الأجواء يتم التمهيد لاتفاق تصفية القضية الفلسطينية الذى يُراد له المرور خلال عام. لقد حاولوا من قبل وفشلوا، وستتكرر المحاولات، وسيتكرر الفشل لأن القضية الفلسطينية لا تموت، قد يضعف العرب والفلسطينيون ولكن الرصيد المتبقى للقضية فى نفوس وعقول وسواعد العرب والفلسطينيين لا ينضب ولا ينتهى. أجيال المقاومة تتوارث رفع راية المقاومة بكل الطرق من الحجارة إلى الصواريخ ولا تتنازل عن حقها المشروع. الشعب الفلسطينى فى كل مكان يرفض التناول عن حق العودة ويرفض التفريط فى الثوابت والحقوق الفلسطينية، وها هم يشكلون منذ أيام الهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والثوابت الفلسطينية ويتداعون من كل مكان إلى بيروت فى حضور أكثر من 200 شخصية عربية للتشاور حول إسقاط المشروع التفاوضى المنهزم الذى يريد تصفية القضية الفلسطينية. القدس تتحرك ، والمقدسيون يقاومون المشاريع الاستيطانية الصهيونية، ويقدمون الشهداء بصورة متزايدة ، ويدافعون بأجسامهم المجردة عن المسجد الأقصى ويتصدون بكل شجاعة لإجرام الجنود الذين يستبيحون ساحات الأقصى بصورة متزايدة مستفزة. الضفة الغربية لم تستسلم، وهناك رفض متزايد للسلطة المنهارة أمام العدو الصهيونى، ورصيد الغضب يتصاعد ضد قوات أمن الجنرال دايتون وستنفجر يوماً ما لابد آت. العدو الصهيونى يزداد صلفاً وتجبراً ويفرض إذلاله على المفاوض الفلسطينى مما سيؤدى إلى نتائج عكسية على الشعب الفلسطينيى الذى قاوم على مدار ستين عاماً، وإن أراد السلام، فإنه يريد سلاماً حقيقياً يعيد إليه حقوقه المشروعة، وإن أراد دولة، فإنه يريد دولة حقيقية وليس دولة وهمية عبارة عن علم وبروتوكول وأسماء لا ظل لها فى الواقع، وهذا الحال العربى المزرى لن يدوم، فلابد له من آخر، ولابد لهذا الليل أن ينجلى، ولابد للصبح أن ينبلج، وإن غداً لناظره قريب. هذا المشروع الصهيونى إلى نهاية وإلى فشل لأنه ضد القيم الإنسانية وضد حقائق الجغرافيا وضد ثوابت التاريخ.